لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مستقبلية بل تحوّل إلى مكون جوهري في تطوير المجتمعات والاقتصادات، وفي عصر تتسارع فيه وتيرة الابتكار التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في إعادة تشكيل مختلف جوانب الحياة البشرية، ولا يقتصر دوره على تحسين الكفاءة التشغيلية فحسب، بل يمتد ليشمل تقديم الحلول الذكية في مجالات متعددة، مثل: الرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، والخدمات الحكومية. وفي الوقت نفسه، يمثل الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتعزيز القدرة التنافسية للدول، وتحقيق التنمية المستدامة، ورفع جودة الحياة للمجتمعات.وتبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كواحدة من الدول الرائدة في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فمنذ إطلاق «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031»، وضعت الدولة أهدافاً طموحة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي في هذا المجال. وقد تجلى هذا الالتزام من خلال تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي عام 2017، وإنشاء مؤسسات تعليمية وبحثية متخصصة، مثل: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تزايد الاعتماد على نهج «الحكومة الذكية»، حيث تُدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة، وتحسين كفاءة اتخاذ القرار.
وفي إطار هذا التوجه الطموح، تنظم مؤسسة دبي للمستقبل «أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي»، في الفترة من 21 إلى 25 أبريل 2025 تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بمشاركة أكثر من 10 آلاف خبير ومبتكر من 100 دولة. وهذا الحدث، الذي يشمل 9 فعاليات رئيسية، يشكّل محطة استراتيجية لتبادل المعرفة، والترويج لأحدث الابتكارات، وبناء جسور التعاون الدولي في هذا المجال الحيوي.
ويهدف «أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي» إلى استعراض أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وتبادل الخبرات، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، ويتضمن سلسلة من المؤتمرات، ورش العمل، والمعارض، التي تسلط الضوء على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل الصحة، والتعليم، والنقل، والخدمات الحكومية. كما يوفر الحدث منصة للشركات الناشئة والمبتكرين لعرض حلولهم المبتكرة، مما يسهم في تعزيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال في الدولة.
ومما لا شك فيه أن «أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي» يؤكد رؤية دولة الإمارات بأن الذكاء الاصطناعي ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لإحداث تحول نوعي في كافة القطاعات. ومن خلال جذب العقول والمواهب العالمية، وتوفير منصة تفاعلية للنقاش والتجربة، فإن هذا الحدث المهم يكرس مكانة الإمارات كمركز عالمي لابتكار السياسات المستقبلية في هذا المجال، كما أنه يشكل فرصة لتعزيز «الدبلوماسية التكنولوجية»، حيث تلتقي دول العالم لمناقشة أُطر التعاون المشترك في الابتكار، وتطوير معايير عالمية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بما يضمن استخدامه بشكل آمن ومسؤول.
إن ما يميز التجربة الإماراتية في مجال الذكاء الاصطناعي أنها لا تقتصر على استيراد التكنولوجيا، بل تركز على بناء القدرات وتوطين المعرفة. وهذا يتجلى في دعم الكوادر الوطنية، وتوفير برامج تدريبية متقدمة، وإنشاء شراكات مع جامعات ومراكز أبحاث عالمية، كما يتم إشراك الشباب بشكل فاعل في هذا المجال من خلال العديد من المبادرات، على اعتبار أن الاستثمار في قطاع الشباب هو الاستثمار الأهم في رأس المال البشري. 
إنّ «أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي» لا يعكس فقط طموح دولة الإمارات، بل يؤكد كذلك قدرتها الفعلية على التحول إلى نموذج عالمي يحتذى به في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، ولا بد من التأكيد في هذا السياق أنه في الوقت الذي يتساءل فيه العالم عن كيفية التعامل مع هذه التقنية المتسارعة، تقدم الإمارات رؤيتها الواضحة عبر ثلاث ركائز أساسية: الابتكار، والتعاون، والتعليم. ويُعد هذا الحدث خطوة استراتيجية مهمة في مسيرة الدولة نحو المستقبل، ويجسد رؤيتها الطموحة لتكون في طليعة الدول الرائدة في هذا المجال، من خلال التزامها بتطوير الكفاءات، وتعزيز الشراكات الدولية، وتسخير التكنولوجيا لبناء مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة.