استثمر دونالد ترامب موجة السخط الاقتصادي التي سادت في الولايات المتحدة للعودة إلى البيت الأبيض، مدفوعاً بحنين الأميركيين إلى فترة اقتصاد ما قبل جائحة كوفيد، وهو شعور دفع الناخبين إلى إعادة انتخاب ترامب الذي تولّى الرئاسة في تلك المرحلة. وقد منح الناخبون ثقتهم لترامب بغية تهدئة مخاوفهم بشأن تكاليف المعيشة وتنشيط الاقتصاد الوطني.
لكن، وبعد مرور ثلاثة أشهر فحسب من بداية ولايته الثانية، كشف توجهه الحمائي، الذي ينبع من سياسة الحماية الاقتصادية الوطنية، الذي تعهّد به، عن تصدعات داخل التحالف «الجمهوري»، وهو ما قد يتسبب في تحويل القضايا الاقتصادية من رأس الحربة للجمهوريين إلى نقطة ضعف قاتلة.وحتى قبل أن تصل صدمة ارتفاع الأسعار إلى رفوف المتاجر، تراجعت أرقام استطلاعات الرأي حول ترامب، فبعد أن دخل شهر مارس بتقييمات إيجابية بالكاد، إذ يواجه الرئيسُ الآن استياءً شعبياً متزايداً، مع تراجع تقييماته الاقتصادية، وتقييمات أسوأ على الرسوم الجمركية التي فرضها. وبينما لا تزال نسبة تأييده العامة أعلى من أدنى مستوياتها خلال ولايته الأولى، تُعد الأرقام الاقتصادية مؤشراً أولياً على أنه معدلات تأييده قد تواصل الانخفاض.
ورغم أن تأييد ترامب الاقتصادي بدأ في التراجع حتى قبل يوم «عيد التحرير»، فمن الواضح أن الفوضى الأخيرة في الأسواق قد عجّلت من هذا التراجع. وكان الشعور بعدم الرضا متوقعاً بين «الديمقراطيين»، لكن الرئيس لا يحظى بشعبية كبيرة أيضاً بين المستقلين. أما الجمهوريون، الذين يؤيدونه على نطاق واسع، فلا يُظهرون نفس الحماسة لموقفه من التجارة كما يفعلون في القضايا الأخرى التي تشهد استقطاباً حزبياً واضحاً.
وهذه هي أول قضية سياسية رئيسية تظهر فيها تصدعات في قاعدة ترامب التي كانت موحدة بالكامل سابقاً. ورغم أن أداء الديمقراطيين كان جيداً في انتخابات منتصف عام 2018 وغيرها من الانتخابات خلال الولاية الأولى لترامب، إلا أن تلك الحملات كانت تركز غالباً على الرعاية الصحية أو شخصية ترامب نفسه. ورغم تقييماته المنخفضة عموماً، حظي ترامب بتقييم أعلى بكثير فيما يتعلق بإدارته للاقتصاد.
وكانت النظرة الشعبية نفسها للاقتصاد إيجابية أيضاً، حيث بلغ مؤشر ثقة المستهلك ذروتَه قبل انتخابات عام 2018. إلا أن نفس المؤشر انهار خلال الشهر الجاري إلى أدنى مستوى له منذ يونيو 2022، عندما بلغت معدلات التضخم ذروتها لتتجاوز تسعة بالمئة. وقد تسللت هذه النظرة المتشائمة للاقتصاد عبر الخطوط الحزبية، حيث أصبح الجمهوريون أنفسهم أقل تفاؤلاً تجاه الظروف الاقتصادية المستقبلية. وكانت ظروف انتخابات عام 2020 غير عادية بسبب جائحة كوفيد-19، لكن الناخبين لم يلقوا باللوم على ترامب بسبب التراجع الاقتصادي الذي تلاها، حيث ركز ترامب حملته على إعادة فتح الاقتصاد، في حين هاجمه جو بايدن على تعامله مع الجائحة، وكان ذلك أيضاً تكراراً للتباين بين حملة جمهورية تركز على الاقتصاد، وحملة ديمقراطية تركز على قضايا أخرى.
وقد ازداد هذا التباين خلال رئاسة بايدن، إذ سرعان ما تدهورت نظرة الناخبين لإدارته للاقتصاد بسبب التضخم المرتفع. غير أن الأمور تغيرت، فاليوم أصبح تقييم ترامب في القضايا الاقتصادية مساوياً أو حتى أقل من تقييمه العام. وقد وجد استطلاع أجرته وكالة «أسوشيتد برس» أن بندي الهجرة والإنفاق الحكومي، أكثر مواقف إدارة باين التي لا تزال تحظى ببعض الشعبية الطفيفة، وعلى النقيض من ذلك فإن مواقف الإدارة الحالية في الاقتصاد والتجارة هي الأقل شعبية، مع معارضة واسعة النطاق.وهناك مؤشر آخر مقلق لترامب، حيث كشف استطلاع لشبكة «سي بي سي نيوز» أن معظم المصوتين في الاستطلاع يعتبرون ترامب مسؤولاً عن الحالة الاقتصادية الراهنة أكبر من مسؤولية بايدن، رغم سجل سلفه غير المفضل بشأن التضخم. وقال غالبية المصوتين، إن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن كان الأكثر مسؤولية عن الظروف الاقتصادية حتى وقت متأخر من الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما. ويمثل ذلك فرصةً للديمقراطيين الذين أصبحوا على وشك الاستفادة من موجة السخط الاقتصادي العام المقبل بعدما كانوا يُنظر إليهم على أنهم الأضعف في هذه القضية.
قد يتذكر المراقبون المخضرمون فوز أوباما الساحق في عام 2008 مدفوعاً بعدم الرضا الواسع عن الركود الكبير. وإذا تمكن الديمقراطيون من استغلال رياح سياسية مماثلة، فقد يكون بإمكانهم بسهولة قلب السيطرة على مجلس النواب، بل وحتى تهديد الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ المكونة من 53 مقعداً.
وإذا حدث ذلك، فإن إدارة ترامب ستكون مشلولة تشريعياً. وسيكون من الحماقة أن يتجاهل الجمهوريون هذا الاستياء المتصاعد، فقد تضرر بايدن والنهج الديمقراطي بشدة من المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، والتي ربما كانت السبب الرئيسي الذي قضى على حملة كامالا هاريس الانتخابية. وإذا لم يتمكن الجمهوريون من استعادة الثقة التي كان الأميركيون يضعونها في رؤيتهم الاقتصادية، فإنهم يخاطرون بخسائر جسيمة في انتخابات منتصف عام 2026، وربما حتى في الانتخابات الرئاسية لعام 2028.
ليون سيت*
*زميل بشركة «سبلِت تِكِت» لتحليل البيانات الانتخابية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»