قال برنامج الأغذية العالمي، على موقعه الرسمي، في السابع من شهر أبريل الجاري، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوقفت تمويل المساعدات الغذائية الطارئة في 14 دولة، رغم تعهدها السابق بعدم المساس بالمساعدات الإنسانية الحيوية.
وذكر البرنامج أن التخفيضات الأخيرة التي قامت بها إدارة ترامب على برامج المساعدات الغذائية الطارئة قد تؤدي إلى «حكم بالإعدام» على ملايين الأفراد الذين يعانون الجوع الحاد أو يواجهون خطر المجاعة. وقالت سيندي ماكين، المديرة العامة للبرنامج، «إن خفض التمويل سيفاقم الجوع، ويزيد من عدم الاستقرار، ويجعل العالم أقل أماناً بكثير».
فهل تدير واشنطن ظهرها للعالم بحجة «أميركا أولاً»؟ وهل تعد القرارات الأميركية انسحاباً مِن متطلبات الهيمنة الدولية؟ ومن المعروف أن المساعدات الخارجية تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية للدول المتلقية، وفي الوقت ذاته تعمل على تعزيز مصالح الدول الداعمة، ولطالما اعتبرت إحدى أهم أدوات القوة الناعمة للدول.
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر ممول للمساعدات الإنسانية في العالم، وذلك عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حيث أنفقت من خلالها عشرات مليارات الدولار سنوياً، بما يناهز 1% من الميزانية العامة للبلاد. وفي عام 2023، أدارت الوكالة أكثر من 43 مليار دولار، واستفاد من المساعدات التي قدمتها ما يزيد على 100 دولة حول العالم، وبشكل خاص الدول التي تشكل أهميةً استراتيجية للولايات المتحدة، والمناطق التي تحتدم فيها الصراعات، وتعاني أزمات اقتصادية وإنسانية.
وفور تسلم الرئيس دونالد ترامب السلطة مطلع العام الجاري، بدأ تقليص قدرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي الوكالة التي قدمت على مدى عقود المساعدات الإنسانية والغذائية لعشرات الدول حول العالم، بل سعى لتفكيكها أو إلغائها بشكل كامل، وأصدر أمراً تنفيذياً لإعادة تقييم عملها وتنظيم المساعدات الخارجي، حيث اتهمها بإهدار المال وإدارة مشاريع لا تتماشى مع المصالح الأميركية، وقد تتعارض مع القيم الأميركية، بل تعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي. وعليه، فقد تم تجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوماً. وأعلن إيلون ماسك، وزير كفاءة الحكومة، أن الرئيس ترامب قرر إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعد أن وصفها بأنها «وكالة إجرامية» وبأنها «مجرد كرة من الديدان، ولا يمكن إصلاحها ويجب التخلص منها»!
وأدى القرار إلى إغلاق معظم برامج الوكالة، وهو ما نجمت عنه أزمات مالية وإنسانية في العديد من المناطق حول العالم، إذ تعذر تسليم المساعدات الإنسانية من الأدوية والسلع الأخرى التي تبلغ ملايين الدولارات، والتي ظلت عالقة في الموانئ. وقال ترامب إن إدارته ستعيد النظر في الإنفاق المالي للوكالة بما يتماشى مع سياسته الخارجية التي رفع فيها شعار «أميركا أولاً»، وأخضع الوكالة للإشراف المباشر من وزارة الخارجية. كما تلقى برنامج الأغذية العالمي أمراً من واشنطن بوقف العمل على عشرات المنح التي تمولها الولايات المتحدة. وتأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس الأميركي جون كنيدي، بهدف إدارة المساعدات الخارجية الأميركية، باعتبارها أداة ناعمة تعمل على توسيع النفوذ الأميركي في الخارج. وعلى مدار عقود، نفّذت الوكالة العديدَ من المشاريع الإنسانية والتنموية، واستخدمت تلك المشاريع لتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خدمةً لمصالحها في العالم، وتقويةً لنفوذها السياسي والاقتصادي في الخارج.
إن محصلة نتائج القرار الأميركي بإنهاء أو تقليص المساعدات الخارجية وإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ستؤدي إلى إضعاف النفوذ الأميركي العالمي لصالح لاعبين آخرين متهيئين لملأ الفراغ، وستلقي بظلالها على جهود التنمية الدولية في وقت تتفاقم فيه الصراعات والأزمات الإنسانية.
*كاتبة إماراتية