في خطوة تعكس التوجه الاستراتيجي المتنامي لدولة الإمارات العربية المتحدة لتعميق حضورها وتأثيرها في القارة الأفريقية، استضافت أبوظبي، في السابع من أبريل 2025، الجولة الثانية من المشاورات الإماراتية- التركية بشأن أفريقيا، برئاسة مشتركة لمعالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان وزير دولة، ونائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران.
وقد عُقدت هذه المشاورات في ديوان عام وزارة الخارجية، بحضور ممثلين عن عدد من الجهات الرسمية والشركات من البلدين، في أجواء عكست عمق العلاقات الثنائية والتقارب المتزايد بين أبوظبي وأنقرة.تأتي هذه المشاورات امتداداً لما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات في فبراير 2022، حيث جرى التفاهم بين وزيري خارجية الدولتين على عقد مشاورات منتظمة بشأن أفريقيا.
وقد شهدت العاصمة التركية أنقرة الجولة الأولى من هذه المشاورات في 10 أكتوبر 2023، بينما جاءت الجولة الثانية في أبوظبي في ظل تطورات إقليمية ودولية تؤكد أهمية تكامل الجهود لتعزيز الاستقرار والتنمية في القارة الأفريقية.
وفي الواقع، فإن دولة الإمارات، تواصل العمل على ترسيخ نموذج تنموي قائم على الشراكة والتأثير الإيجابي إقليمياً ودولياً، ويُعد الانفتاح المتوازن على القارة الأفريقية أحد مرتكزات هذه الرؤية، التي تدرك أهمية أفريقيا كقارة الفرص والموارد المستقبلية. كما أن تركيا تولي أهمية خاصة لتوسيع التعاون مع أفريقيا على أساس الشراكة المتكافئة ومبدأ الربح المشترك. وتشكل المشاورات الأخيرة في أبوظبي محطة جديدة نحو بناء آلية مؤسسية للتنسيق والتكامل بين الإمارات وتركيا في القارة السمراء، خاصة في مجالات التنمية والاستثمار وتعزيز الاستقرار. وقد ناقش الجانبان آخر المستجدات الإقليمية التي تشهدها القارة الأفريقية، وسُبل توحيد الجهود لدعم دولها في مجالات التنمية المستدامة.
دولة الإمارات، التي تتمتع بحضور مؤثر في العديد من الدول الأفريقية عبر استثمارات استراتيجية في الموانئ، والطاقة، واللوجستيات، والمشاريع الإنمائية، ترى في التعاون مع تركيا فرصة لتوسيع الأثر الإيجابي لمبادراتها التنموية في القارة، عبر شراكة مبنية على التكامل لا التنافس. فتركيا بدورها تملك شبكة واسعة من العلاقات الثنائية مع دول أفريقيا، وتتبنى مقاربة تقوم على دعم أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030.
الجولة الثانية من المشاورات لم تكتفِ بالحديث عن المبادئ العامة، بل ركزت على آليات العمل المشترك، وبحثت فرص التعاون في مشاريع محددة، تشمل قطاعات رئيسية مثل التعليم، والصحة، والزراعة، والبنية التحتية، والتحول الرقمي، والطاقة النظيفة. كما جرى التطرق إلى سُبل تشجيع القطاع الخاص في كلتا الدولتين على تأسيس شراكات في السوق الأفريقية، وهو ما يعزز من فرص النمو الاقتصادي المشترك، ويؤسس لنمط جديد من الشراكة «جنوب-جنوب» يتجاوز الأطر التقليدية. وفي خضم هذه التحركات، تبرز أهمية الرؤية الاستشرافية لكل من الإمارات وتركيا، التي تنظر إلى أفريقيا ليس فقط كسوق واعدة، بل كقارة تحتاج إلى شراكات قائمة على التمكين وبناء القدرات.
وهذه الرؤية هي التي توجه السياسات وتدفع نحو تشكيل نماذج مبتكرة من التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، تسعى لتحقيق أثر ملموس ومستدام في حياة الشعوب الأفريقية. كما أن طبيعة الحضور في المشاورات، والتي شملت جهات حكومية وشركات من القطاع الخاص، تعكس إدراكاً من الطرفين بأن التنمية والاستثمار والاستقرار في أفريقيا لا يمكن تحقيقها فقط عبر القنوات الدبلوماسية، بل من خلال أدوات عملية تشمل الشراكات التجارية، والتمويل، وبناء المشاريع المشتركة، ما يمهد الطريق لمبادرات كبرى قد ترى النور في السنوات القادمة، تشمل مجمعات لوجستية، ومناطق حرة، وبنية تحتية رقمية، ومشاريع في الأمن الغذائي والمائي والطاقة.
إن المشاورات الإماراتية-التركية بشأن أفريقيا تمثل نموذجاً دبلوماسياً متقدماً، يؤكد أن العلاقات الدولية الفاعلة لا تقتصر على التعاون الثنائي، بل تتجه إلى العمل المشترك في ساحة ثالثة، حيث تتقاطع المصالح وتتلاقى الرؤى. وإذا ما استمر هذا الزخم، فإن أبوظبي وأنقرة مرشحتان للعب دور محوري في صياغة نموذج تنموي جديد في أفريقيا، يقوم على الشراكة، ويخدم مصالح شعوب القارة.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.