يُعد الأمن السيبراني ركيزة أساسية للأمن الوطني، بالنظر إلى تنوع التهديدات الإلكترونية، في ظل غياب الحدود الزمانية والمكانية في الفضاء السيبراني. وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة مُنذ بداية تطور مفهوم التهديدات الإلكترونية أهمية تعزيز أمن المعلومات، وأصبحت اليوم بفضل رؤيتها الواعية ونهجها المتكامل، واحدة من أكثر الدول أمناً وسلامة في المجال المعلوماتي، وذلك بفضل جهودها النوعية في حماية البيانات، والإجراءات والمبادرات التي أطلقتها لضمان بقاء مواطنيها وشركاتها في مأمن من التهديدات المتطورة التي يعجّ بها الفضاء الإلكتروني.
وفي ظل التزايد الملحوظ للتهديدات السيبرانية على مستوى العالم، يبرز دور المنظومات السيبرانية الوطنية في دولة الإمارات كحائط صد منيع ضدّ أية محاولات اختراق أو تهديد، وهو ما تطلَّب في المقابل اتخاذ خطوات ملموسة تهدف إلى ترسيخ الأمن الإلكتروني في جميع القطاعات الحيوية والاستراتيجية في الدولة، بما في ذلك تحفيز الابتكار في الأمن السيبراني، وتعزيز التعاون بين القطاعَيْن العام والخاص، وتطوير تقنيات متقدمة لمكافحة الهجمات الإلكترونية، وذلك على النحو الذي توافق مع محددات رؤية «نحن الإمارات 2031» بأن تكون دولة الإمارات مركزاً عالمياً للأمن السيبراني تنفيذاً لرؤية القيادة الرشيدة.
وتتمتع المنظومات السيبرانية الوطنية بدرجة كفاءة واستعداد من طراز فريد تُلامس حدود الكمال في أدائها، متفوقة بذلك على العديد من دول العالم، بما في ذلك الدول الأكثر تطوراً. ولعلّ التصدي الناجح من قِبل المؤسسات المعنية في الدولة للهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤخراً 634 جهة حكومية وخاصة، يؤكد وبشكل قاطع جدارة هذه المنظومات.
وتماشياً مع النهج الطموح الذي تتبنّاه دولة الإمارات لتصبح مركزاً عالمياً للأمن السيبراني، تم إنشاء العديد من الكيانات والهيئات المتخصصة للتركيز على الأمن السيبراني، ومنها «الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني»، المسؤولة عن تطوير الاستراتيجية الخاصة في هذا المجال، وتنسيق مبادرات الأمن الإلكتروني المختلفة، ووضع السياسات واللوائح، ومراقبة التهديدات، وإضافة إلى ذلك، وضعت الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، على تنوّعها، تدابير أمنية إلكترونية وضوابط صارمة كفيلة بإحباط أي محاولة لممارسة أي شكل من أشكال القرصنة عليها.
وفي سياق جهود حكومة دولة الإمارات لتعزيز السلامة السيبرانية، أطلق مجلس الأمن السيبراني وشركة «سيبكس» تقرير «حالة الأمن السيبراني في الإمارات 2025»، الذي يقدم تحليلاً لمشهد التهديدات السيبرانية، حيث كشف أن الجرائم الإلكترونية لا تزال تشكل تهديداً كبيراً. ولكن في المقابل، يبرز تحسن ملحوظ في مواجهة هذا التهديد، إذ شهدت الإمارات انخفاضاً كبيراً في هجمات حجب الخدمة الموزعة، بعدما تراجعت من 58538 هجمة في النصف الأول من عام 2023 إلى 2301 هجمة فقط في النصف الأول من 2024.
لقد استطاعت دولة الإمارات خلال فترة وجيزة أن تقطع خطوات كبيرة في مجال الأمن السيبراني، حتى أصبحت اليوم في صدارة الدول المتقدمة في هذا المجال. وليس من المُستغرب أن تُصنّف من قِبل الاتحاد الدولي للاتصالات ضمن الفئة الأعلى عالمياً (النموذج الرائد) وفقاً للمؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024، وهو إنجاز لم يكن ليتحقق إلا من خلال الاستثمار المستمر في بناء بنية تحتية رقمية آمنة، وتطوير كفاءات وطنية مؤهلة، واعتماد وسائل متقدمة للتصدي للهجمات الإلكترونية الخبيثة المحتملة.
مما لا شك فيه أن الأداء المتميز للمنظومات السيبرانية الوطنية في مواجهة التهديدات الإلكترونية، لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة، والسياسات الحكيمة التي تبنتها الدولة في مجال التحول الرقمي، بعد أن أصبحت الإمارات لاعباً رائداً في هذا المجال، وفاعلاً مهماً في تأمين المستقبل الرقمي العالمي، عبر مبادراتها الاستباقية واستشرافها الدقيق للمستقبل.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.