أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم، شاء من شاء وكره من كره، السمة الغالبة في أي توجه أو رؤية لدى الحكومات والدول في سائر بقاع العالم. وذلك نظراً لمميزاته وفوائده للمجتمع البشري، وبأنه الثورة التكنولوجية القادمة التي ستنقل العالم، من شرقه إلى غربه، نحو واقع جديد بتحديات مختلفة. لكن، وفي خضم ذلك التسارع والتنافس العالمي في هذا الموضوع، نجد أن لكل أمر إيجابي سلبيات ومنغصات، إذ لا شيء كامل في هذه الدنيا.

وعلى أية حال فالجانب الإيجابي في هذه الظاهرة التكنولوجية يكاد يكون معلوماً للجميع تقريباً، أما السلبي فيها فهو موضوع مقالنا لهذا اليوم. وما أعتقده هنا أن مسائل التطور التكنولوجي الحديث يجب ألا تؤخذ كما لو أنها ذات تأثير واحد، أو أن يتم النظر إليها بأساليب عاطفية محضة، فهي تحتاج إلى نظرة موضوعية وفعالة، وذلك لأنها متعددة الجوانب، وجوانبها تحمل في طياتها تفاصيل كثيرة، وفي هذه التفاصيل الكثيرة يكمن الجانب السلبي تحديداً.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة، وكذلك بالنسبة للدول ذات الكثافات السكانية القليلة والتي تحتاج إلى العمالة الماهرة النادرة، نعمةً وحلّاً عملياً لتلبية احتياجاتها من العمالة النادرة قليلة الأجور.

لكن ماذا عن دول العالم النامي التي تعتبر العمالة الرخيصة أحد مصادر دخلها الوطني، وأحد مرتكزات طموحاتها المستقبلية في التنمية الاقتصادية والصناعية؟! وفقاً لهذا التساؤل، يجد العالَمُ نفسَه اليوم أمام معضلة، وهنا يتوجب توضيح أين تكمن مشكلة الذكاء الاصطناعي لدى الدول على اختلافها، وكيف يمكن للعالم أجمع أن يستفيد منه، فالنظام الدولي الجديد القائم على عمالقة التكنولوجيا الحديثة المتقدمة والذكاء الاصطناعي سيجمع بين رابحين يحصلون على كل شيء، مع تركّز غير مسبوق للثروة في أيادي قلة من الشركات في دول كبرى متقدمة مثل الصين والولايات المتحدة واليابان، وعدد من دول جنوب شرق آسيا (الدول الصناعية الجديدة)، وعدد محدود من دول الاتحاد الأوروبي.

وهو في تقديرنا ما يجعل الذكاء الاصطناعي بمثابة خطر على الدول التي لا تمتلكه، والتي ستصبح أكثر فقراً وستدخل في فوضى اجتماعية عارمة وانهيار سياسي واقتصادي يتولّد وينبعث من بطالة تنتشر بشكل واسع، وهوة من عدم المساواة بين الدول فيما بينها، إذا ما انتشر الذكاء الاصطناعي سريعاً، وبالتالي فإن المكانة العملاقة التي تستخدم في تحريك الصناعة ستقلل من قيمة الميزة الاقتصادية الوحيدة التي في يد دول العالم النامي تاريخياً، وهي العمالة منخفضة الأجور. ومن المرجح أن تغير المصانع التي تشغلها عناصر الذكاء الاصطناعي مواقعها وأن تغادر أماكنها الحالية إلى مواقع قريبة من أسواق الاستهلاك الضخمة.. وبذلك فإن الهوة بين الذين يملكون على المستوى العالمي والذين لا يملكون ستتسع كثيراً، مع عدم وجود مؤشرات ووسائل واضحة أو معروفة لردمها أو تضييقها.

* كاتب كويتي