كان من الممكن أن تؤدي أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 إلى حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وقد نبهت هذه الأزمة العالم إلى أهوال العصر النووي. في ذلك الوقت، كانت بريطانيا وفرنسا فقط، إلى جانب القوتين العظميين، قد اختبرتا القنبلة النووية. ومع ذلك، كان علم الأسلحة النووية مفهوماً بشكل جيد، وكان يُخشى أن تمتلك العديد من الدول الأخرى المهارات الهندسية والتقنية اللازمة لتصميم القنبلة واختبارها ونشرها.
وقد تعزز هذا القلق عندما انضمت كل من الصين والهند إلى النادي النووي في عامي 1964 و1974 على التوالي. دخلت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) حيزَ التنفيذ في عام 1970، ووقّعت عليها 191 دولة. لكن الهند وباكستان وإسرائيل لم تنضم إليها أبداً. أما كوريا الشمالية، فكانت عضواً في المعاهدة، لكنها انسحبت منها في عام 2003 وأصبحت الآن قوة نووية. ورغم هذه الاستثناءات، حققت المعاهدة نجاحاً كبيراً، لكن ثمة قلقاً كبيراً حالياً من احتمال انسحاب المزيد من الدول وتطوير أسلحتها النووية.
أحد أسباب ذلك هو انهيار النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والخوف من أن يؤدي ذلك إلى بيئة مختلفة تماماً، أشبه بتنافسات القوى العظمى في القرن التاسع عشر و«مناطق النفوذ». وبشكل أكثر تحديداً، حيث تسيطر الولايات المتحدة على الأميركتين، وروسيا على أوروبا، وستكون الصين القوة العظمى في آسيا.
ويعتقد معظم المحللين أن مثل هذا النظام العالمي غير ممكن، نظراً لوجود عدد كبير من الدول القوية التي ستقاوم مثل هذا الترتيب، بما في ذلك أوروبا والهند واليابان والبرازيل ودول الخليج. ومع ذلك، فإن عالماً متعدد الأقطاب وأكثر تنافسية قد يؤدي على الأرجح إلى مزيد من انتشار الأسلحة النووية. إحدى النتائج المترتبة على سلوك دونالد ترامب، خلال الشهرين الماضيين، هي تأثيره السلبي على الحلفاء الغربيين الرئيسين الذين اعتمدوا على المظلة الأمنية الأميركية لمدة ثمانين عاماً. هؤلاء الحلفاء يفقدون الثقة في الولايات المتحدة، ويعملون على تقليل اعتمادهم على القوة الأميركية لحمايتهم.
سياسات ترامب التجارية، وتهديداته بإعادة احتلال قناة بنما، وجعل كندا الولاية الحادية والخمسين، وضم جزيرة جرينلاند، وطرد مليوني فلسطيني من غزة، وطرده رئيس أوكرانيا من البيت الأبيض.. إلخ، كلها صدمت وأثارت غضب الحلفاء المقربين. كما أن عدم شعبية أميركا تحت قيادة ترامب، وتأثيرات أنصاره المقربين مثل إيلون ماسك، أدت إلى ردود فعل سلبية ضد المنتجات الأميركية، بما في ذلك سيارات تسلا التابعة لماسك. بدأ الكنديون بإلغاء رحلاتهم المقررة إلى فلوريدا وأوريجون والمتنزهات الوطنية الأميركية. أما في أوروبا، فقد أدت الجهود الرامية إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة إلى زيادات كبيرة في برامج الدفاع الأوروبية، وعزّزت من عزم الدول الأوروبية على تقديم جبهة موحدة ضد روسيا.
ومن المفارقة أن مواقف وتصرفات ترامب عزّزت شعبية الأحزاب السياسية الوسطية. ومن الناحية النظرية، يمكن أن تصبح أوروبا كياناً أكثر قوةً بالنظر إلى قوتها الاقتصادية، حيث إن الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي يعادل ثمانية أضعاف نظيره الروسي على الأقل. ويتصدر عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بالنظام الليبرالي الدولي جدول أعمال العديد من الدول الآسيوية، بما في ذلك دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، التي تعتمد على المظلة النووية الأميركية لضمان أمنها. فجميع هذه الدول تمتلك القدرة على بناء أسلحة نووية، ومن المؤكد أنها تفكر في هذا الخيار، بينما تراقب السياسة الأميركية المتقلبة.
قد يكون من الصعب عكس إعادة تقييم الحلفاء لاحتياجاتهم الأمنية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. على مدى ثمانين عاماً، كان الإيمان بثبات الضمانات الأميركية أمراً مسلَّماً به. أما الآن، فإن الحلفاء يتساءلون عمَّا إذا كان عليهم التأقلم مع زعيم جديد في البيت الأبيض كل أربع سنوات، قد يغير بين عشية وضحاها أولويات المصالح الوطنية الأميركية. هذا الغموض سيدفع العديد من الدول نحو مزيد من الاستقلال عن أميركا، ما سيجلب تحديات ومخاطر جديدة.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال إنترست» - واشنطن