عندما أُسقط نظام الأسد كان الابتهاج هو السمة الغالبة لردود فعل هذا السقوط، وفُسر هذا بممارسات النظام الداخلية عبر العقود، وبصفة خاصة منذ تفجرت الانتفاضة الشعبية ضده في 2011، وكذلك بعلاقاته العربية والإقليمية غير المتوازنة، ومع ذلك فقد توقع بعضهم أن يواجَه الوضع الجديد في سوريا بمشكلة قبول واعتراف من بيئته العربية والإقليمية والدولية، بسبب التوجهات الفكرية والممارسات العملية للتنظيمات التي شاركت في إسقاط نظام الأسد، غير أن عملية اكتساب الشرعية العربية والإقليمية والدولية مرت بسلاسة ظاهرة. ويُعتقد أن هذا يرجع لعدد من العوامل على رأسها، الخطاب السياسي الجديد لأحمد الشرع قائد عملية إسقاط نظام الأسد، والذي ركز على الحديث عن سوريا جديدة يتساوى فيها الجميع، ولا تعادي أحداً، وتكون مصدراً للاستقرار العربي والإقليمي، وتركز على أولوياتها الداخلية بعد ما يزيد على عقد من الاحتراب الأهلي، كذلك كان واضحاً أن الدول العربية الوازنة لم تكن تريد للوضع الجديد في سوريا أن يبتعد عن محيطه العربي، ويرتبط بهذه القوة الإقليمية أو تلك على حساب روابطه العربية، كما كان الحال إبان نظام الأسد، كذلك لا شك أن التوجهات السلمية للنظام، وتخلصه من النفوذ الإيراني قد لعبا دوراً مؤثراً في قبول التحالف الغربي بصفة خاصة له.
غير أن ما سبق لم يكن يعني أن الوضع الجديد في سوريا لن يواجه مشاكل، بل على العكس، فقد برزت مشكلات وصل بعضها لحد الخطورة، وكانت أولى هذه المشكلات: تقديم صيغة جديدة للحكم تُرضي جميع مكونات المجتمع السوري. ومن الواضح أن جميع الخطوات الإيجابية التي تمت حتى الآن، كمؤتمر الحوار الوطني، والإعلان الدستوري تؤسس لنظام يكون الدور المحوري فيه لرئيس الجمهورية المعين، ناهيك بأن الكثيرين رأوا أن مدة المرحلة الانتقالية (5 سنوات) أطول مما ينبغي، وأنها قد تفتح الباب لعوامل عدم استقرار جديدة ليست في الحسبان.
أما المشكلة الثانية، فتمثلت في ممارسات بعض الفصائل التي تحالفت مع «هيئة تحرير الشام» في إسقاط الأسد، غير أن ممارساتها تناقضت مع الخطاب السياسي للقيادة السورية الجديدة، وبلغ هذا التناقض ذروته بأحداث الساحل السوري الأخيرة، والتي انطوت على عمليات قتل جماعي على أسس طائفية لا يمكن تبريرها حتى ولو كان سببها الأصيل هو أعمال لبقايا النظام القديم، ولهذا كانت هذه الأحداث مصدراً لردود فعل غاضبة بلغت ذروتها بالدعوة الأميركية والروسية لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، انتهى ببيان رئاسي أدان الأحداث، وطالب بتحقيق جاد وشفاف فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها.
وعلى الصعيد الخارجي لم يواجه النظام الجديد في سوريا رفضاً يُذكر، وربما يكون ما أعلنه رأس النظام عن توجهات سلمية، والتخلص من النفوذ الإيراني سبباً رئيساً في هذا الصدد، وحتى روسيا التي كانت الداعم الأساسي لنظام الأسد فتحت قنوات اتصال مع حكام دمشق الجدد، وقد تكون الرغبة في الحفاظ على قاعدتيها في سوريا وراء هذا الموقف. أما إسرائيل فاستغلت فرصة سقوط الأسد لإلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 مع سوريا، واحتلال المنطقة العازلة، وموقع جبل الشيخ الاستراتيجي، وتدمير القوة العسكرية السورية، وهو ما يمثل تحدياً خطيراً للأمن السوري.
*أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة