بدأت الهند والاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع الجولة العاشرة من المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة ثنائية، بهدف اختتامها بحلول نهاية العام. ويبدو الآن أن ثمة حاجة ملحة للتفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة، رغم أن هذا التفاوض بين الجانبين ظل معلقاً لسنوات. واستؤنفت أيضاً مناقشات الهند مع المملكة المتحدة بشأن اتفاقية تجارة حرة بعد توقف دام ثمانية أشهر، بينما حددت الهند والاتحاد الأوروبي الآن موعداً نهائياً لإقرار الاتفاقية بحلول نهاية هذا العام مع الجولة الأخيرة من المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، تتفاوض الهند والولايات المتحدة على اتفاقية تجارية ثنائية، حيث أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الهند لقب «ملكة التعريفات» بسبب سياساتها الجمركية. وتهدف الهند والولايات المتحدة إلى إنهاء المرحلة الأولى من تفاوضات التجارة الثنائية متعددة القطاعات بحلول خريف عام 2025. وبينما كانت القضايا التي تعرقل هذه الاتفاقيات قائمة منذ فترة، اكتسبت الحاجة إلى إبرامها بسرعة أهميةً جديدة بسبب حالة عدم اليقين التي تفرضها التعريفات المتبادلة، التي من المتوقع أن يفرضها الرئيس ترامب في أبريل المقبل.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه التعريفات إلى زعزعة التجارة العالمية وتشديد الوصول إلى الأسواق المختلفة، مما يدفع الهند إلى الإسراع في إبرام الاتفاقيات التجارية لضمان حصولها على تعريفات تفضيلية رغم الزيادات المحتملة في الرسوم الجمركية. ومع ذلك، فإن إنهاء مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة بسرعة لن يكون أمراً سهلاً بالنسبة للهند، لأنها قد تتطلب تقديم تنازلات قد لا تكون مقبولةً للصناعات المحلية، لا سيما في قطاع الزراعة الذي يحظى بحماية عالية. وبالنسبة للهند، التي تُعد واحدةً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، فإن إبرام هذه الاتفاقيات ضروري لجذب الاستثمارات والحفاظ على النمو الاقتصادي السريع، فضلاً عن بناء سلاسل التوريد للاستفادة من استراتيجية «الصين زائد واحد»، التي استفادت منها اقتصادات دول مثل فيتنام، أكثر من الهند حتى الآن.
وقد أشار تقرير حديث صادر عن لجنة التخطيط، وهي مركز أبحاث السياسات العامة التابع للحكومة الهندية، إلى أن دولاً مثل فيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا، أصبحت المستفيد الأكبر من استراتيجية «الصين زائد واحد»، بسبب مجموعة من العوامل، منها التوقيع السريع على اتفاقيات التجارة الحرة، والعمالة الرخيصة، وتبسيط قوانين الضرائب، وخفض التعريفات الجمركية.
ووفقاً للتقارير، فقد انضمّت فيتنام إلى 20 اتفاقية تجارية، بما في ذلك الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، من بينها 16 اتفاقية تجارة حرة. وفي المقابل، رفضت الهند الانضمام إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية خوفاً من تدفق السلع الصينية، وأكد المسؤولون أن هذا الموقف لم يتغير، وبدلاً من التركيز على آسيا، بدأت الهند الآن توجه اهتمامها نحو الغرب. لدى الهند 14 اتفاقية تجارية مع 25 دولة، وهي بصدد التفاوض على اتفاقيات جديدة مع أكثر من 50 دولة أخرى. كما أن لديها ست اتفاقيات تجارية أصغر مع 26 دولة إضافية.
وظلّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر وجهتين لصادرات الهند. فقد تضاعفت صادرات الهند من السلع إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر من مرتين بين عامي 2010 و2024، حيث ارتفعت من 71.2 مليار دولار إلى 166.3 مليار دولار. لكن للاستفادة من هذه العلاقات التجارية، يتعين على الجانبين التغلّب على العقبات التي تعترض الاتفاقيات. على سبيل المثال، تضغط المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل تخفيض الرسوم الجمركية على المشروبات، حيث تفرض الهند رسوماً جمركية بنسبة 150%، وهو ما ساهم في ازدهار الصناعة المحلية في هذا المجال.
وفي مؤشر واضح على نوع التنازلات التي يمكن أن تقدمها الهند، خفّضت نيودلهي الرسومَ الجمركية على المشروبات الأميركية من 150% إلى 100%، بعد انتقادات ترامب للرسوم «غير العادلة»، واصفاً الهند بأنها «ملكة التعريفات». وأشار معهد البحوث العالمية للتجارة في مذكرته الأخيرة إلى أن أكثر القطاعات تضرراً من التعريفات الأميركية المتبادلة سيكون قطاع الأسماك واللحوم والمأكولات البحرية المصنّعة، حيث ستواجه صادرات بقيمة 2.58 مليار دولار فَرقاً في الرسوم الجمركية بنسبة 27.83%.
ويُعد قطاع الزراعة من القطاعات الحسّاسة بالنسبة للهند، حيث تخضع الواردات الزراعية لرسوم جمركية مرتفعة. وعلى عكس الدول المتقدمة، حيث يشكّل القطاع الزراعي نسبة صغيرةً من الاقتصاد، فإن حوالي 60% من سكان الهند يعتمدون على الزراعة بشكل أو بآخر. ويضغط الغرب على الهند لتقديم تنازلات في قطاع الزراعة، لكن خفض الرسوم الجمركية في هذا القطاع يعد مسألةً حساسةً للغاية، وقد يثير ردودَ فعل قوية.
تصدِّر الهند منتجات زراعية إلى الولايات المتحدة بقيمة 4 مليارات دولار سنوياً، وعليها الآن إيجاد طريقة للمضي قدماً في جميع هذه القضايا، حيث أصبحت اتفاقيات التجارة الحرة ذات أهمية متزايدة.وفي حين كان تركيز الهند في السابق مُنصباً على الشرق، حيث وقعت اتفاقيات مع سنغافورة وماليزيا وتايلاند ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فإنها الآن تتطلع إلى الغرب. ويعود ذلك إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الآسيوية لم تحقق النتائج المتوقعة، حيث لا تزال الهند تعاني من عجز تجاري كبير مع العديد من هذه الدول، مما يعني أنها تستورد منها أكثر مما تصدّر.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي