في الوقت الذي يكافح فيه الاقتصاد العالمي تداعيات حروب التعريفات الجمركية وتراجع آفاق نموه خلال العام 2025، يواصل اقتصادنا الوطني أداءه المتميز وتتحسن توقعاته، سواء فيما تكشفه الاستطلاعات الاقتصادية وقياسات آراء الخبراء أو ما تؤكده محركات أداء قطاعاته الاقتصادية. 
ففي استبيان حديث لآراء المستثمرين والشركات والمؤسسات المالية عن آفاق النمو الإماراتي، أجمعت آراء المشاركين على أن الأداء الاقتصادي الإماراتي سيواصل مسيرةَ الازدهار خلال العام الجاري متفوقاً على إنجازات عام 2024، ومتجاوزاً كذلك معدلات النمو المخططة لعام 2025. وقد أرجع المشاركون الازدهار المتوقع للاقتصاد الإماراتي إلى استمرار جهود التنويع لأنشطة الإنتاج وتحسن مؤشرات الملاءة والفوائض المالية في القطاع المالي، بالتوازي مع تسارع الجهود التنظيمية الحكومية المطورة لبيئة الأعمال الوطنية. 
وبينما تؤكد هذه التوقعات المتفائلة ضمنياً أن الاقتصاد الوطني قادر على استيعاب صدمات العرض والطلب التي قد يشهدها الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري 2025، فإن ذلك يرجع بالأساس إلى فعالية السياسات الاستباقية التي اعتمدتها الحكومة، وخاصةً بعد جائحة كورونا؛ تلك السياسات التي استلهمت طموح القيادة الرشيدة للدولة لتمكن الاقتصاد الإماراتي من تحويل التهديدات إلى فرص والتحديات إلى مقومات للنجاح والازدهار.

فرغم التأثيرات السلبية للتشديد النقدي على محركات النمو العالمي، تمكنت السياسة النقدية لمصرف الإمارات المركزي من التفاعل الإيجابي مع أسعار الفائدة المرتفعة عالمياً، ما قلل من تأثيراتها السلبية على قوى الاستثمار المحلي والجاذبية للاستثمار الأجنبي. ورغم تداعيات التضخم عالمياً على موازنات الأسر والشركات والحكومة، فإن القدرات الراسخة للمالية العامة الإماراتية، وصلابة وتنافسية أنظمة الضرائب الوطنية، قد عززت من الطلب الاستهلاكي المحلي وجعلته رافعة لقوى النمو الاقتصادي.ولعل الثقة المستمرة من جانب المستثمرين والشركات الأجنبية تجلت في تحول بيئة الأعمال الوطنية وجهة رئيسية لتدفقات رؤوس الأموال في فترات الأزمات الدولية؛ يشهد على ذلك أن أسواق الإمارات قد جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تجاوزت 30 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بنحو 22 مليار دولار في عام 2022، وذلك رغم تفاقم تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. 
وعلى هذا النهج، تشير التقديرات إلى بلوغ الاستثمارات الوافدة للاقتصاد الوطني معدلات قياسية خلال العام الجاري، مع تضاعف عدد الشركات المسجلة لدى دولة الإمارات منذ بداية العقد الحالي إلى 1.2 مليون شركة. وإذا كان العالم قد شهد خلال الشهرين الماضيين تغيرات جمركية تهدد بتقويض استقرار سلاسل الإمداد على مسارات التجارة الدولية خلال العام الجاري، فإن هناك أربعة مقومات وطنية لا تضمن فقط تقليل تعرض الاقتصاد الوطني لهذه التهديدات، بل تساعده في تحويلها إلى فرص اقتصادية تعزز آفاق نموه المستقبلي. 
 أول هذه المقومات هو النجاح المبهر لبرامج التنويع الاقتصادي ما جعل أكثر من 75% من ناتج اقتصاد دولة الإمارات يأتي حالياً من القطاعات غير النفطية، مع توقعات بأن تصل هذه النسبة إلى نحو 80% في السنوات السبع المقبلة. وثاني هذه المقومات هو انفتاح الاقتصاد الإماراتي المتوازن على التجارة العالمية وتجنبه التحيزات غير المرغوبة للشرق أو للغرب. أما ثالث المقومات الداعمة لآفاق النمو الاقتصادي الإماراتي، فيتمثل في الحضور الإماراتي المزدهر في إفريقيا، ما يمثل أرضاً خصبة وبيئة عالية الربحية وبديلاً ملائماً لتجارة دولة الإمارات واستثماراتها العالمية. أما رابع هذه المقومات فيتمثل في تسارع إمكانات الاقتصاد الوطني وقدراته التكنولوجية الوطنية، سواء بازدهار أنشطة قطاع الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والخدمات المالية، أو بتطور قدرات الجامعات الوطنية ومراكز البحوث التي توطِّن المعارف والمهارات للكوادر الإماراتية. 
ومما لا شك فيه أن التوافق بين نتائج استطلاعات الرأي ومؤشرات الأداء الاقتصادي الإماراتي ومقومات نموه تؤكدها توقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة، التي أصدرها في ديسمبر 2024، والتي قدرت نمو اقتصاد الإمارات عام 2025 بنسبة 5% مقارنة بنمو بنسبة 4% خلال عام 2024 وفق تقديرات البنك المركزي، ما يعني ترسخ النمو الاقتصادي الإماراتي على مسار مزدهر ومستدام.