في 5 مارس، وخلال خطابه أمام جلسة مشتركة لمجلسَي الكونجرس، ألقى دونالد ترامب أطول خطاب لرئيس أميركي في الذاكرة الحيّة. فعلى مدار 100 دقيقة، استعرض الإصلاحات العديدة التي قام بها منذ تنصيبه في 20 يناير الماضي. وتركّز الجزء الأكبر من خطاب الرئيس على القضايا الداخلية، موضحاً كيف سيوقف الهجرةَ غير الشرعية ويطلق العنان للإصلاحات في الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك تخفيضات كبيرة في حجم البيروقراطية والقوانين التنظيمية التي تعيق المبادرات وتكبح النمو الاقتصادي، وذلك على عكس سياسات سلفه جو بايدن، كما قال. وإلى ذلك، فقد أشاد ترامب بجهود الملياردير إيلون ماسك وفريقه في قيادة الحملة التي تسمى «تطهير المستنقع»، وقال إن «العصر الذهبي لأميركا قد بدأ للتو».

وبالنسبة لأنصار ترامب الأكثر إخلاصاً، بمن فيهم أعضاء الكونجرس «الجمهوريين»، كان الخطاب هو تحديداً ما أرادوا سماعَه، حيث استقبلوه بموجة تصفيق حار وهتفوا عدة مرات: «الولايات المتحدة الأميركية، الولايات المتحدة الأميركية».

وعلى النقيض من ذلك، جلس «الديمقراطيون» في صمت تام، واضطر أحد أعضائهم إلى مغادرة القاعة بعد قيامه بمقاطعة الرئيس.أما بالنسبة لبقية العالم، فكان خطاب ترامب مزعجاً، إذ رغم أنه لم يتطرق كثيراً إلى الشؤون الخارجية، فإن أقواله لم تكن موجهة لطمأنة الحلفاء الغربيين بأنه يسعى لتحسين العلاقات معهم وأنهم جزء من «العصر الذهبي الجديد». ففي اليوم السابق للخطاب، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع والخدمات القادمة من المكسيك وكندا، و20% على الصين.

كما أعلن أنه اعتباراً من 2 أبريل، ستُطبق «تعريفات جمركية متبادلة» على جميع شركاء أميركا التجاريين، في محاولة لتعويض اختلال الميزان التجاري. وقد أثارت هذه الإجراءات مخاوف في الأسواق المالية، وأدت إلى قيام كل من المكسيك وكندا والصين بفرض تعريفات انتقامية موجهة ضد المنتجات الأميركية المباعة في البلدان الثلاثة.

وبالنظر إلى خطورة هذه الإجراءات، فقد يجد ترامب طريقة لتسوية هذه النزاعات التجارية، خاصة إذا أدى تأثير التعريفات إلى زيادة تكاليف المعيشة بالنسبة للمواطنين الأميركيين العاديين. فترامب قادر على تغيير رأيه بسرعة إذا كان ذلك يخدم أهدافه السياسية المباشرة. لكن المشكلة أن أفعاله تثير حالة من عدم اليقين بشأن كثير من قراراته، وهو أمر لا تحبذه الأسواق المالية. والخطر الآخر الذي يواجهه ترامب هو أن كلماته وأفعاله أضعفت بالفعل إلى حد كبير «القوة الناعمة» التي بنتها أميركا في الجنوب العالمي على مدى السنوات الأخيرة، وخاصة في أفريقيا.

فعندما استشهد ترامب خلال خطابه بأمثلة على الهدر وسوء الاستخدام اللذين يزعم إيلون ماسك وفريقُه أنهم كشفوا عنهما في منح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) الموجهة إلى الدول الفقيرة، لم يستطع مقاومة تسمية بعض البلدان المستفيدة، بما في ذلك ليبيريا ومالي وموزمبيق وأوغندا. كما أشار إلى ليسوتو، قائلاً إنها «دولة لم يسمع بها أحد من قبل»! لم يتحدث ترامب كثيراً عن الشرق الأوسط، باستثناء إشادته باتفاقيات أبراهام، التي وصفها بأنها من أهم إنجازات إدارته الأولى. كما لم يذكر تحديات الصين أو تهديدات إيران وروسيا. لكن الخبر الإيجابي الوحيد كان إعلانه عن تلقيه رسالة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي دخل معه في جدال علني صاخب في البيت الأبيض يوم الثامن والعشرين من فبراير المنصرم.

وقد كتب زيلينسكي: «أوكرانيا على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن من أجل تحقيق سلام دائم.. فريقي مستعد للعمل تحت القيادة القوية للرئيس ترامب للوصول إلى سلام دائم». كما التزم زيلينسكي بتوقيع اتفاقية لبيع المعادن إلى الولايات المتحدة. وإذا ساهمت هذه الرسالة في تخفيف أسوأ أزمة في العلاقات الأميركية الأوروبية منذ عام 1956، فقد يكون ذلك كافياً لمنع ترامب من السعي إلى إبرام اتفاق أحادي الجانب مع روسيا، وهو أمر قد يكون كارثياً بالنسبة للتحالف الغربي.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن