يوم الأربعاء الموافق 26 فبراير 2025، كان اللقاء المميز مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في «البرزة» قبل الغروب بلحظات حيث نسمات الشتاء تمر على الحضور المفعم بالحيوية والنشاط والتفاعل بالتفاؤل.
كان الحدث البارز، تكريم الفائزين بجائزة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للابتكار والذكاء المجتمعي في دورتها السابعة، حفظها الله وأطال في عمرها.
الجائزة تغوص في أعماق المجتمع المحلي والعربي لاستخراج الدرر الإنسانية التي تتلألأ من حولنا بعد صقلها ليصل بريقها إلى من يحرصون على صناعة الفروقات الفردية التي تنير دروب العمل الاجتماعي في بعدها الحضاري والمرصع بأجمل القيم الإنسانية المؤثرة في المجتمع.
سأركز الحديث حول الفئة التي نالني شرف الفوز فيها «الأب المميز»، دون الإقلال من شأن الفئات المتميزة الأخرى.
حديثي عن «الأب» أعتبره من أحاديث الجوى، العمود الذي يحافظ على أوتاد خيمة الأسرة لمنعها عن السقوط أو الانحناء. أبدأ بلحظة فارقة مرت علي عند مصافحتي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بعد التحية والسلام اسمع لمكنون الكلام: مبروك ولدي ومشكور على هذا الإنجاز، ومن ثم السؤال عن حال الأسرة والتوالي والعربان، في موقف أبوي أخاذ يبعد اليتم عمن فقد والديه، فهنا قائد قدوة يملأ فراغ الفقد، كيف وأم الإمارات أطال الله في عمرها تواصل دورها الرائد في احتواء الجميع والاهتمام بهم كما ربت أبناءها القادة البررة.
لا أذيع سراً ولا أكتمكم حديثاً، عند مصافحتي لصاحب السمو رئيس الدولة، غمرني شعور الذكريات من قرابة خمسين عاماً عندما استقبلنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وطيب ثراه، وجعل الفردوس الأعلى مثواه، في قصر المقام بمدينة العين ونحن طلبة، وكان هذا اللقاء نتيجة إلحاح منا على مسؤول الجامعة آنذك، صافحنا كالحلم والطيف اللطيف، قائلاً: عيالي كيف حالكم، لِمَ أتعبتم أنفسكم في وقت فيه رياح العين تخرق الأبدان وشمسها تحرق الأجساد؟
اليوم نحمد الله الذي جعل لنا في أبناء الشيخ زايد امتداداً من خصال الخير الجمة ومن أريحية تلمنا وتضمنا جميعاً بلا حواجز أو فوارق. يقول الحكماء: اقترب مِمَّن يفتحون في روحك نوافذ من نور، ويقولون لك، إنه في وُسعك أن تُضيء العالَم.
نحن الآن في «عام المجتمع»، ووجود جائزة خاصة لـ «الأب»، ضمن فئات «برنامج سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك» عامل مساعد لتشجيع الآباء لأداء الدور المطلوب منهم في الحفاظ على تماسك الأسرة الإماراتية، لأن الأب هو العمود الفقري لخيمة الأسرة متعددة الأوتاد.
أذكر من تجربتي الشخصية مع الوالد رحمه الله، عندما كنت مغترباً للدراسة في بريطانيا، حيث تعلمت درساً من مشرفي لن أنساه ما حييت.
في العام 1993، فوجئت عبر مكالمة هاتفية بخبر إصابة والدي بجلطة دماغية، وقد شعرت بأن نصفي قد مات، فسارعت إلى مشرفي لاستئذانه بالسفر العاجل إلى دبي، فرد علي بعد أن أخبرته عن السبب قائلاً: اعلم بأن والدك أهم شيء في حياتك، وأهم من دراستك، فلا تحتاج مني إلى إذن بذلك، فلو احتجت إلى أي عون فلن أقصر معك، ولو اضطررت البقاء معه في البلد حتى شفائه، فسوف تتخرج من عندي عن بُعد، فلا تقلق وقم بواجبك تجاه والدك على أكمل وجه.
فعلا لم أتوقع هذا الموقف من مشرفي، وقد كان في هذه اللحظة إنساناً يمد الإنسانية بأسباب البقاء، لقد عاش والدي بعد إصابته تلك قرابة 26 عاماً حتى بلغ من العمر 86 عاماً، يحمل مسؤولية ستة عشر فرداً في أسرته الممتدة حتى آخر نفس من عمره، ولا زلنا نحن الأبناء نستمد رغد الحياة من تضحياته.
يكفيني منه عندما كنت طفلاً في المرحلة الابتدائية، أنه كان يحملني على كتفه يومياً ذهاباً وإياباً من دوار الفهيدي إلى منطقة «الغبيبة» و«الشندغة» حيث تقع مدرسة الشعب الوحيدة في بر دبي آنذاك.
شكراً صاحب السمو رئيس الدولة، والشكر موصول لأم الإمارات، في بناء صرح عظيم للمعاني الإنسانية الأصيلة والتي تحافظ على بقاء بيت الوطن «متوحد».
*كاتب إماراتي