قدَّمت وكالة «فرانس 24» هذا الأسبوع شهادة على أحد حلول الابتكار المتقدِّم من دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث ناقشت على موقعها على الإنترنت بروز نهجٍ إماراتي جديد لمشكلة قديمة، ويتمثَّل هذا النهج في تسخير الحلول الذكية لزيادة مستويات هطول الأمطار ضمن منطقة الخليج، والتي تعدُّ من بين أكثر مناطق جفافاً في العالم.
واعتماداً على خبرات وطنية تراكمت عبر فترة تجاوزت عقداً من الزمن، فإن دولة الإمارات والمعروفة باستراتيجياتها البيئية الجريئة، بدأت مبكِّراً في توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات تلقيح السحب، واستخدمت من أجل ذلك التكنولوجيات الذكية في الطائرات لإطلاق المواد الصديقة للبيئة، وبصورة مدروسة لزيادة كميات الأمطار ضمن الموسم الشتوي الواحد، وبمعدلات يُتوقع أن تتزايد عاماً بعد آخر.
وأصبحت الحلول الوطنية في مجال الاستمطار الذكي سمة عالمية للدولة، حيث تمتلك الإمارات اليوم برنامجاً متقدِّماً لتعزيز الهاطل المطري اعتماداً على الذكاء الاصطناعي والبيانات ذات مستويات الجودة العالية، والتي تُجمع بطرقٍ متقدمة من مصادر مثل الأقمار الاصطناعية والرادارات ومحطات الطقس المنتشرة في الدولة؛ وبما يسمح برسم خريطة تفصيلية للسحب القابلة للتلقيح ضمن إطار زمني يصل حتى ست ساعات مقبلة، ليسهم ذلك في تحليل أنواع الغيوم الركامية بصورةٍ دقيقة، وتوقُّع ما يصلح منها لعمليات التلقيح، ومن ثم وضع أفضل المسارات لتنفيذ هذه العمليات في المكان والوقت المناسبين. وعندما يتعلق الأمر بعمليات تلقيح السحب، فإن وكالة «فرانس 24» تنقل آراء الخبراء العالميين حول أن البرنامج الإماراتي في الاستمطار يعدُّ الأفضل دوليّاً من حيث التقدُّم والمخرجات، وفي كونه نجح في إيجاد التوازن الصحيح ما بين الذكاء البشري، والمتمثِّل في امتلاك أعلى المستويات العالمية من الخبرات والكفاءات وبين حلول الذكاء الاصطناعي التي تعد اليوم الأكثر تقدُّماً في المجال.
ويذكر أن لدولة الإمارات عدداً من الإنجازات العالمية البارزة في مجالات الاستمطار، ومن بينها النجاح في توظيف تكنولوجيات النانو لتطوير مواد مبتكرة تستخدم في عمليات تلقيح السحب، مثل مادتي كلوريد الصوديوم وثاني أكسيد التيتانيوم، والتي حصلت الدولة بشأنها على براءات اختراع من مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة، وتعد الإمارات الدولة الوحيدة عالميّاً التي تستخدمها كمواد استرطابية متقدمة في عمليات الاستمطار، وتعدُّ مكوناتها آمنة على الإنسان والبيئة، وبمستويات تتفوق حتى على أكثر اشتراطات السلامة صرامةً في العالم. وإيماناً بأهمية مشاركة النتائج الإيجابية في مجال الاستمطار، فإن الدولة قدَّمت للعالم برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، كمبادرة فريدة من نوعها، أُطلقت في يناير من عام 2015 تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، ويشرف عليها المركز الوطني للأرصاد في أبوظبي، ويعدُّ هذا البرنامج الأول من نوعه، والذي يقوم على اختيار أكثر المشروعات تميُّزاً في مجال تطبيقات الاستمطار وبحوثه، وضمن اهتماماتٍ تشمل عمليات تحسين ظروف الطقس، والأرصاد الجوية المائية، والنمذجة الجوية والمناخية، وفيزياء السحب، والاستشعار عن بُعد، والتكنولوجيات المناخية، وغيرها، مع تقديم منح مالية سخية تصل إلى 1.5 مليون دولار لكل مقترح بحثي متميز. وفي هذا الإطار، تمتلك دولة الإمارات اليوم أكثر من 95 محطة مترابطة للرصد الجوي، وشبكة رادار متكاملة، وأربع طائرات متخصصة لتنفيذ عمليات الاستمطار، وتتم تنفيذ عمليات الاستمطار في الدولة من قبل 9 طيارين متخصصين في هذا المجال، وطاقم علمي وفني متخصص في عمليات الرصد والاستمطار، يمثل مواطنو دولة الإمارات الأغلبية العظمى فيه.
ما نقلته وكالة «فرانس 24» يؤكد أن حلول دولة الإمارات في الاستمطار الذكي أصبحت بالفعل نموذجاً عالميّاً يمكنه أن يلهم النجاح للدول الأخرى، خاصة التي تعاني شحهاً في المياه العذبة، وهو إسهام إنساني من الدولة لمعالجة ندرة المياه كقضيةٍ عالمية مشتركة؛ انطلاقاً من قناعةٍ بأهمية الماء كأحد أسس الحياة، إضافة إلى كونه عنصراً تمكينيّاً للتنمية الشاملة والمستدامة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.