قام أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مؤخراً، بزيارة إلى الهند استغرقت يومين. ولم تؤكد هذه الزيارة فقط على تنامي العلاقات بين البلدين، بل فتحت كذلك فصلاً جديداً في هذه العلاقات. وجاءت هذه الزيارة بعد عقد من زيارته الأخيرة، مما يؤكد متانة علاقة الدولتين. وبالنسبة لقطر، تُعد الهند قوة صاعدة، كما أن هناك روابط قوية بين شعبي البلدين؛ إذ توفر قطر نسبة 4% من احتياجات الهند من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يشكل نحو نصف حجم التجارة الثنائية البالغ 15 مليار دولار بين البلدين. ولذا فقد حملت الزيارة طابعاً اقتصادياً بارزاً، حيث قررت الدولتان ترقية علاقاتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وتعد الهند بالفعل شريكاً استراتيجياً للعديد من الدول الخليج العربية الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان.

ومن أبرز معالم زيارة الأمير، انعقاد منتدى الأعمال المشترك بين الهند وقطر، بحضور وزراء التجارة في كلا البلدين، وكبار المسؤولين في مجالات التمويل والطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا في قطر. وقد وقّع الجانبان اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي، ومذكرات تفاهم في مجالات تشمل الرياضة والشباب. وإضافة إلى ذلك، اتفق الجانبان على مضاعفة حجم التجارة الثنائية بحلول عام 2030. كما وافقت قطر على استثمار 10 مليارات دولار في الهند، في قطاعات البنية التحتية والتصنيع وغيرها. ورفعت الدولتان مجموعة العمل المشتركة للتجارة إلى مستوى لجنة مشتركة للتجارة والمعاملات التجارية.

وبينما يشهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً، فإن معظم هذا النمو يعود إلى استيراد الهند للغاز ومنتجات الطاقة الأخرى من قطر. وفي عام 2024، زاد حجم التجارة الثنائية بنسبة 51%، ليصل إلى 13.1 مليار دولار، ما جعل الهند ثالث أكبر شريك تجاري لقطر، وكان ذلك مدفوعاً في الغالب بواردات الغاز الهندية من قطر.وخلال المحادثات رفيعة المستوى، قرر قادة البلدين «توسيع وتعميق التجارة المتبادلة ذات المنفعة المشتركة»، واتفقوا على تنفيذ إجراءات تهدف إلى جذب وتشجيع إقامة مشاريع مشتركة بين القطاع الخاص في كلا البلدين. وفي الواقع، فإن الاستثمارات القطرية تشكل جزءاً مهماً من العلاقة بالنسبة للهند. ويمتلك جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادية القطري، استثمارات في الهند تقدر في الوقت الحالي بنحو 1.5 مليار دولار، في قطاعات تشمل التجزئة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والصحة والإسكان الميسر وغيرها.

كما حدد الزعيمان عدداً من المجالات الجديدة التي يمكن لجهاز قطر للاستثمار زيادة استثماراته فيها في الهند، بما في ذلك البنية التحتية، والموانئ، وبناء السفن، والطاقة، إلى جانب الطاقة المتجددة، والمدن الذكية، والحدائق الغذائية، والشركات الناشئة، والتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتعلم الآلي. وعلى مدى العقد الماضي، شهدت العلاقات بين الهند وقطر زيادةً واضحة في الزيارات رفيعة المستوى.

وبينما كانت آخر زيارة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى الهند في عام 2015، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارته الثانية إلى قطر في فبراير من العام الماضي. كما عقد وزير الخارجية الهندي، الدكتور جايشانكار، عدة اجتماعات مع رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية، بما في ذلك اجتماع جرى يوم الأول من يناير 2025 في الدوحة. وتحظى قطر  بعلاقات متميزة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت محادثات حول أزمات عدة، ما جعلها تلعب دور الوسيط في منطقة تشهد الكثير من الاضطرابات.

وبالنسبة للهند، التي تسعى إلى لعب دور عالمي أكبر، فإن متابعة الأحداث الدولية والتطورات العالمية أمر ضروري، ولهذا السبب تمت مناقشة هذه القضايا أيضاً بين الجانبين. ونظراً لأن قطر ترتبط باتفاقيات متنوعة مع دول كبرى عدة، فقد تم التطرق إلى الوضع في الشرق الأوسط والتطورات الإقليمية، خلال لقاء قادة البلدين. ومع كل هذه التطورات، أصبح من الضروري تنويع العلاقات الهندية القطرية إلى ما هو أبعد من التعاون التقليدي في مجال الطاقة، لتحقيق فوائد أكبر من هذه الشراكة. وأكدت زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هذا التوجه، وأبرزت نية القيادتين فتح صفحة جديدة في العلاقات بين قطر والهند.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي