تُعد التنمية الثقافية أحد الأبعاد الأساسية التي تُسهم في تطور المجتمعات وتشكيل هُويتها، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تُعد التنمية الثقافية محوراً استراتيجيّاً يواكب تطور المجتمع الإماراتي وتنوعه، ويعكس الوعي العميق بأهمية الثقافة في بناء مجتمع مستدام وقوي، فدولة الإمارات، بما تتمتع به من مكانة مرموقة على مستوى العالم، تشهد تحولاً ثقافيّاً ينسجم مع طموحاتها المستقبلية، ويعكس رؤية القيادة الحكيمة في استثمار الثقافة لتعزيز مكانتها العالمية. وأدركت القيادة الإماراتية -منذ تأسيس الدولة- أن الثقافة ليست مجرد جزء من تراث الأمة، بل هي ركيزة أساسية من ركائز بناء مجتمع متحضر وذي تأثير عالمي، ولذا سعت إلى تحقيق توازن بين التحديث الحضاري، والحفاظ على التراث الثقافي.

وقد أصبح هذا التوجه جزءاً لا يتجزأ من رؤية «نحن الإمارات 2031»، التي تهدف إلى ترجمة رؤية صاحب السمو رئيس الدولة لمستقبل دولة الإمارات إلى واقع ملموس، وتعمل على تحقيقها جميع المؤسسات في دولة الإمارات، وصولاً إلى تحقيق مئوية الإمارات 2071، ومبادئ الخمسين التي تركّز على تعزيز التنمية الثقافية، بصفتها أحد المحاور الرئيسية في بناء المجتمع الإماراتي. وتتمثل هذه الرؤية في تفعيل دور الثقافة في بناء هوية وثقافة وقيم إماراتية راسخة، وتعزيز قيم الانفتاح الثقافي، والتسامح، والنخوة، والتعايش الإنساني المستدام في قبول الآخر واحترامه، وهي عوامل أساسية تُسهم في تعزيز الوحدة الوطنية والهوية الثقافية الإماراتية.

وهذه الرؤية تجسّدها مختلف السياسات والمبادرات التي تدعم التنمية الثقافية واستدامتها. وتسعى دولة الإمارات إلى إنشاء مؤسسات ثقافية تُسهم في إبراز الفنون والآداب وتعزيز الهوية الثقافية، ومن أبرزها «وزارة الثقافة»، و«متحف اللوفر أبوظبي»، و«مركز جامع الشيخ زايد الكبير»، التي تعمل جميعها على دعم الفنون والأنشطة الثقافية، فضلاً عن دعم المبدعين المحليين والعالميين، ودعم الفنون بشكل متكامل، عبر تعليم هذه الفنون وتطوير الصناعات الثقافية. وتؤدي المؤسسات التعليمية في الإمارات دوراً محوريّاً في نشر الثقافة وتعليم الأجيال الجديدة أهمية التراث الثقافي الوطني والعالمي.

كما تُشجع الدولة على إدراج الثقافة في المناهج التعليمية عبر أنشطة ووُرش عملٍ فنية مختلفة، منها المسرح، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والشعر. كما تُنظِّم المهرجانات الثقافية والمعارض المتنوعة التي تجمع فنانين ومثقفين من مختلف أنحاء العالم. وفي هذا السياق يُعدّ «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، و«معرض الشارقة الدولي للكتاب» من أبرز الفعاليات التي تُسهم في نشر الثقافة وتشجيع الطلاب والشباب على القراءة، والتواصل مع الفنون والآداب، وتنمية مهارات التفكير النقدي. وتعكس التنمية الثقافية في الإمارات أشكال التعدد الثقافي الذي يتمتع به مجتمعها، إذ يعيش على أرض الإمارات أكثر من 200 جنسية ينبثق منها تنوع ثقافي كبير.

وهذا التنوع لا يمثل تحدياً، بل فرصة لتعزيز الحوار الثقافي والفهم المتبادل، فدولة الإمارات نموذج للانفتاح الثقافي، ويظهر ذلك جليّاً في احتضانها كثيراً من المهرجانات والمعارض الثقافية التي تجمع بين التراث الثقافي الإماراتي والثقافات العالمية. وختاماً، تُظهر التنمية الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة أن الثقافة ليست مجرد عنصر من عناصر التراث، بل هي أيضاً ركيزة أساسية من ركائز التقدم والتنمية المستدامة، ما يعزّز القدرة التنافسية للدولة على الصعيد الثقافي العالمي.

والجدير بالذكر أن دولة الإمارات قد حققت قفزة جديدة في التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2024، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في مدينة لوزان السويسرية، متقدمة ثلاث مراتب إلى المركز السابع عالميّاً، بعد الإنجاز الذي حققته في عام 2023 بدخولها قائمة الدول العشر الكبار في التقرير، متقدمة على النرويج وأيسلندا واليابان وكندا وفنلندا. إن جهود القيادة الإماراتية في تطوير هذا القطاع تؤكد التزام الدولة نشر الوعي الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية في سياق عالمي يعكس مكانتها المرموقة على الصعيد الثقافي العالمي، لتكون دولة الإمارات في طليعة الدول المتقدمة ثقافيّاً، وتستمر في إثراء العالم بإسهاماتها المبدعة والفريدة.

*أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.