على وقع الغموض الذي يكتنف التطورات المحتملة على الجبهة الجنوبية في لبنان، مع بقاء الجيش الإسرائيلي في 5 مواقع وتلال استراتيجية، وترقب تداعيات الأحداث الأمنية على طريق مطار بيروت الدولي، والتدقيق الأمني في تطبيق القوانين لمكافحة التهريب وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، أكدت حكومة «الإصلاح والإنقاذ» برئاسة نواف سلام في بيانها الوزاري على مفهوم الدولة، ودورها في حماية البلاد، والدفاع عن الحدود وصونها، وحقها في إحتكار حمل السلاح، وحصرية قرار السلم والحرب، وترسيخ استقلال القضاء العدلي والإداري والمالي وإصلاحه. كما لحظ البيان الوزاري أولوية العمل لاسترجاع الودائع المصرفية لإصحابها. كل ذلك، لتوفير الإجواء السياسية والأمنية التي تتيح تنفيذ الإصلاح المالي والاقتصادي وهيكلة المصارف، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتشجيع دخول الاستثمارات، لتمويل إعادة الإعمار.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة، نيلها ثقة مجلس النواب بعد مناقشة بيانها الوزاري في جلسة تعقد الثلاثاءالمقبل، يستعد الرئيس جوزيف عون للقيام بجولة على عدد من الدول العربية، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، وإجراء مباحثات لتعزيز العلاقات اللبنانية معها، بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والتجارية، والترحيب بعودة الاستثمارات، وقدوم السياح والمصطافين إلى لبنان في الصيف المقبل. وتنطلق الحكومة في مرحلتها الجديدة، بوضع مالي يقدر بنحو 44 مليار دولار، موزعين بين 10.5 ملياردولار نقداً، «احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية»، ونحو 4 مليارات دولار في حساب خزينة الدولة لدى المصرف المركزي، إضافة إلى 29.5 مليار دولار قيمة مخزونات الذهب البالغة 286.8 طن، وهو مؤشرعلى القوة الإئتمانية للدولة اللبنانية وقدرتها على الوفاء بإلتزاماتها المالية تجاه الدائنين. وفي هذا السياق يؤكد معهد التمويل الدولي أن الحكومة الجديدة قادرة على إجراء إصلاح شامل، والحصول على دعم مالي كبير من المجتمع الدولي والدول العربية.

ويفترض سيناريو الإصلاح العميق الحصول على نحو 12.5 ملياردولار مساعدات مالية من المؤسسات المتعددة الأطراف والجهات المانحة الرسمية، موزعة: 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، في سياق ترتيبات صندوق للتسهيلات الإئتمانية الممتدة لأربع سنوات، و 3 مليارات دولار من البنك الدولي لمشاريع محددة، و4.5 مليار دولار من دول مجلس التعاون الخليجي، وملياري دولار من الدول الأوروبية الكبرى. إضافة الى ذلك، يمكن للبنان أن يجذب 10 مليارات دولار من الخليج، في شكل استثمار مباشر خلال الفترة 2025 - 2029، وهو يصنف في إطار تدفقات رأسمالية غير منشأة للديون.

وفي مثل هذا السيناريو «وفق معهد التمويل الدولي»، فإن صورة المستقبل تبدو أكثر إشراقاً، حيث يتمتع لبنان بالعديد من المكونات اللازمة للنجاح، في ظل أجواء النظام الاقتصادي الحر، بما في ذلك روح المبادرة والحيوية والقدرة البشرية.

ويرتقب أن يسهم ذلك بتحقيق متوسط نمو 6.2 في المئة سنوياً، ويرتفع الفائض المالي الأولي من 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 2.5 في المئة عام 2029، وبزيادة احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية من 10.5 مليار دولار إلى 26.4 مليار دولار، ومع إضافة قيمة المخزون من الذهب يصل مجموع الاحتياطي إلى نحو 56 مليار دولار. أما في حال لم يطبق هذا السيناريو، ستواجه الحكومة تحديات تعثر مسيرة «الإنقاذ والإصلاح» أمنياً وسياسياً، في ظل توترات في الجنوب مع إسرائيل، واضطرابات في الشارع اللبناني.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.