حينما دلف دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في العشرين من يناير الماضي رئيساً للمرة الثانية للولايات المتحدة، كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية المعروفة بـ (USAID)، هي المنظمة الأكبر لتقديم المساعدات الخارجية في العالم، بعدد موظفين يفوق 10 آلاف شخص، وميزانية سنوية تقارب 40 مليار دولار. ولكن في منتصف ليل السبت الماضي، لم تعد هذه الوكالة قائمة فعلياً، على الأقل في الوقت الحاضر. ومُنِحَ كل موظفيها باستثناء نحو 300 منهم، «إجازة إدارية»، وهي عطلة مؤقتة مدفوعة الأجر. أما من كان منهم قد أُرْسِل في مهام عمل خارج الولايات المتحدة، فقد أُمِر بالعودة إليها في غضون 30 يوماً.

الخطوة الأخيرة تتوج ثلاثة أسابيع تقريباً من الجهود التي بذلتها إدارة ترامب، لتفكيك الركيزة الأساسية، التي تقدم الولايات المتحدة من خلالها مساعداتها الخارجية، والتي يحاجج ترامب ومستشاروه، بأنها مترهلة وتفتقر إلى الكفاءة والفاعلية، ولا تتسق مع القيم الأميركية. وفي الثالث من فبراير الجاري، تباهى إيلون ماسك، وهو أحد مستشاري ترامب، في منشور على منصة «إكس»، بالقول، إن الإدارة الجمهورية تضع الـ (USAID) في «مفرمة الأخشاب». وفي حقيقة الأمر، بدأت عملية نزع أحشاء الوكالة بشكل متسارع، بأمر تنفيذي وقعه ترامب في أول أيام عودته للبيت الأبيض، يقضي بوقف جميع المساعدات الأميركية الخارجية لمدة 90 يوماً. بعد ذلك، جاء دور لجنة الكفاءة الحكومية التي يقودها ماسك، والتي لا تندرج ضمن الوكالات الفيدرالية على الرغم من اسمها، لتدخل على الخط.

بالتزامن مع ذلك، توقفت مشروعات الدعم والرعاية التي تمولها الولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم. وقاد هذا مثلا لأن يفصل مركز لإيواء المهاجرين في المكسيك، اثنين من أطبائه، أحدهما متخصص في علم نفس الأطفال، بجانب المرشد الاجتماعي في المركز. أما في زيمبابوي، فقد أوقفت منظمة مجتمعية، برنامجاً للتوعية يستهدف تشجيع الفتيات على عدم ترك الدراسة، وحمايتهن من خطر الزواج قبل بلوغ السن القانوني. كما توقف خط ساخن، كان مخصصاً لمساعدة المحاربين القدامى وأُسرهم في أوكرانيا، بشكل مفاجئ عن العمل. وفي البوسنة، استغنت إحدى وسائل الإعلام المستقلة المتخصصة في الصحافة الاستقصائية، عن أحد صحفييها.

وفي حين مُنِحَ عدد محدود من المشروعات المُمولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «إعفاءً طارئاً لأسباب إنسانية» من الإجراءات الجديدة، من أجل تمكينها من مواصلة أنشطتها، لا يزال من غير الواضح للكثيرين، ما إذا كانت تلك المشاريع، ستُعَدُ مستوفية للشروط اللازمة، للحصول على ذلك الإعفاء من عدمه.

وفي الوقت نفسه، رفعت نقابتان عماليتان تمثلان العاملين في الوكالة، دعوى قضائية، ضد السلطات الحكومية في الولايات المتحدة، دفعتا فيها بأن التخلص من موظفي الوكالة ومشروعاتها، على هذه الشاكلة، أمر غير دستوري. ومن جانبه، تعهد الرئيس ترامب، بألا يؤدي الاضطراب العنيف الراهن الذي يجتاح الوكالة حالياً، إلى وضع كلمة النهاية لكل المساعدات الخارجية التي تقدمها بلاده، بل إنه يقول إنه يرغب في إصلاح هذه المؤسسة، وهو موقف ربما يحظى فيه بدعم في الشارع الأميركي.

فقد أظهرت استطلاعات للرأي، أن غالبية الأميركيين يرون أن بلادهم تنفق أموالها بسخاء أكثر من اللازم، على المساعدات الخارجية. (رغم أن المستطلعة آراؤهم، قالوا إنهم يعتقدون بأن حصة تلك المساعدات من الميزانية الأميركية تصل إلى الربع، في حين أن نسبتها تقل في واقع الأمر عن 1%).

وفي مقابلة مع مجلة «سلايت» الإلكترونية اليومية نُشِرَت هذا الأسبوع، قال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي آندي كيم،: «ما أريد توضيحه للشعب الأميركي، هو أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وما تضطلع به من عمل، ليسا أمراً من قبيل الصدقة أو الإحسان.. هذا ليس إيثاراً أميركياً. إنه أمر حيوي بشدة لأمننا القومي».

*كاتبة أميركية ·

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»