بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً وكأنه غير واثق مما إذا كانت إسبانيا، من بين الدول ذات الاقتصاديات الناشئة في العالم، حينما سأل عما إذا كان هذا البلد، من بين «دول بريكس» أم لا. في المقابل، كان الرجل واثقاً من أن رسوماً جمركية ستُفرض على الاتحاد الأوروبي «قريباً»، وهو تهديد اكتسب ثقلاً أكبر، بعدما أصدر أول قراراته على هذا الصعيد، إلى المكسيك وكندا.
ولا شك في أن فرض رسوم جمركية أميركية على الاتحاد الأوروبي سيكون مؤلماً اقتصادياً، ومثيراً للانقسامات، بل وربما ذا طابع وجودي بالنسبة لذلك التكتل، إذا قسَّمه بين صديق لواشنطن وعدو لها. فما الذي بوسع الأوروبيين فعله إزاء ذلك، إذا كانت لديهم خيارات من الأصل؟
عليهم بدايةً أخذ ترامب على محمل الجد. فإجراءاته حيال جيران بلاده، يجب أن تدفع الأوروبيين للتخلي عن أفكار من قبيل أنه لا يعني ما يقول، أو أن التبكير بتقديم تنازلات، قد ينقذهم كحلفاء لواشنطن.
فثمة اعتقاد في أروقة الإدارة الجمهورية مفاده، بأن تعزيز ما ينعم به الأميركيون من رخاء، يستوجب تحطيم الأغلال، التي تربط بلادهم بالنظام العالمي، مالياً وعسكرياً وتجارياً.ورغم دقة ما يُقال من أن فرض واشنطن رسوماً جمركية على مبادلات تجارية مع أوروبا يناهز حجمها 1.3 تريليون دولار، لن يقود سوى إلى الإضرار بها هي نفسها، فإن ذلك لن يحول على الأرجح، دون أن يفرض ترامب هذه الرسوم.
قادة أوروبيون، من أمثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، أدركوا هذا الأمر، وفعلوا ما بوسعهم لئلا يثيروا غضب الرئيس الأميركي. الآن، ينبغي أن تقود تصريحاتهم الجازمة بشأن ضرورة اتخاذ موقف حيال ملف الرسوم الجمركية، إلى إكساب المفوضية الأوروبية ثقة أكبر، فيما يتعلق ببلورة رد ملائم في هذا الصدد.
ورغم أن ردود الفعل الانتقامية المتبادلة ستكون مؤلمة حتماً، من باب أنها ستفضي إلى وضع يخرج منه الجميع خاسرون، فمن الواجب، أن يضطلع الاتحاد بدوره في تحديد المصالح الأوروبية والدفاع عنها.
يمكن للمرء هنا توقع رد فعل أوروبي تدريجي، من قبيل العودة السريعة لفرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم في مارس، ووضع قائمة لسلع أميركية أخرى يُحتمل استهدافها، مع التلويح بأن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد.
غير أن هذه الحالة تحديداً قد تنطوي على احتمالات مزعجة بشدة. فالسيناريو السابق ذكره، يفترض وجود قوة مركزية ستجمع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 على قلب رجل واحد. لكن مواجهة التكتل حربا تجارية، ربما يقود لبذر الشقاق في صفوفه. فالرسوم الجمركية قد تكون ببساطة، مضرة بدول أوروبية بعينها أكثر من الدول الأخرى.
فالألمان مثلاً سيتضررون من فرضها على السيارات، أكثر من تضرر الفرنسيين، من خضوع الأجْبان التي يُصدرونَّها لها.
وإذا وضعت في الحسبان، دعم الناخبين الأوروبيين المتزايد للأحزاب الشعبوية، فستجد نفسك إزاء وصفة لاندلاع مزيد من القلاقل ذات الطابع القومي والاجتماعي، ضد النخبة المهيمنة على صنع القرار في الاتحاد.
وقد يسعى ترامب لاستغلال ذلك، عبر عرض تقديم تنازلات لأي دول أو شركات، تقبل التماشي مع سياساته.
فقد يُشْهِر سيف الرسوم الجمركية، في وجه أعضاء حلف (الناتو)، ويتعهد في الوقت ذاته بإجراء تعديلات في هذا الشأن، بناء على ما ستقطعه دول الحلف من التزامات على نفسها، بشأن الإنفاق الدفاعي. ولتتخيل إذا ما حدث ذلك مع الاتحاد الأوروبي، أن نشهد – مثلاً - 27 «تعليقاً» لتلك الإجراءات في اللحظة الأخيرة.هنا تكمن أهمية وضع الاتحاد الأوروبي، التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل، وهما أمران يفتقر إليهما كثيراً، نصب أعينه في التعامل مع الوضع الراهن.
وفي النهاية، فإذا كان الهدف الحقيقي لترامب، هو دفع الأوروبيين لتقاسم كلفة الدفاع بشكل أكثر عدالة، فلا يجب عليهم أن يضنوا عليه بذلك. فالسبيل الأمثل للاتحاد الأوروبي، للرد بشكل بعيد المدى على التهديدات التجارية، يتمثل في الاستثمار في قوته الصلبة، عبر تأسيس صندوق عسكري أوروبي، برأس مال أوليَّ 500 مليار يورو، قابل للزيادة باستمرار. فحتى في التجارة، يشكل الاهتمام بـ «الدفاع» بشكل حرفي، الوسيلة الأنجع للدفاع عن النفس في وجه أي تهديدات.