مرحباً بكم في حرب التجارة الثانية للرئيس دونالد ترامب. حتى الآن، كانت أشبه كثيراً بحربه التجارية الأولى. إنه يهدد بفرض تعريفات جمركية قاسية. وينشأ عن ذلك غضب واسع النطاق وردود أفعال سلبية.

ثم تظهر صفقة في اللحظة الأخيرة، ويتم إلغاء التعرفات الجمركية، باستثناء الصين. هذا بالضبط ما حدث في عام 2018-2019. وحدث مرة أخرى هذا الأسبوع مع كندا والمكسيك. تم تأجيل التعرفات المعلنة بنسبة 25% لمدة شهر، وكأن شخصاً ما في البيت الأبيض أدرك أنه ليس استراتيجية رابحةً رفعُ أسعار الأفوكادو قبل مباراة السوبر بول. وهناك احتمال كبير بأن يظل التأجيل إلى موعد غير مسمى.

ومن الجيد أن ترامب أوقف هذا الأمر، لكن الضرر قد وقع بالفعل. العلاقة «الأفضل» بين كندا والولايات المتحدة قد انتهت على الأرجح. الكنديون يلغون رحلاتهم إلى أميركا، ويهتفون ضد النشيد الوطني الأميركي في الفعاليات الرياضية.

إنهم مصممون على عدم الاعتماد على الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، ترى الدول الأخرى أن وجود اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، كما هو الحال مع كندا والمكسيك، لا يعني الكثير لترامب. وعلاوة على ذلك، فإن الرؤساء التنفيذيين للشركات يشعرون بالتوتر بسبب الفوضى، ومن المرجح أن يكونوا أكثر حذراً بشأن التوظيف والاستثمارات. يصور الرئيسُ نفسُه هذا الأمرَ على أنه انتصار: لقد أجبر كندا والمكسيك على إرسال المزيد من القوات إلى الحدود لوقف تدفق المهاجرين ومنع دخول المخدرات. لكن عند التدقيق في الأمر، نجد أن الصفقات التي أبرمها ليست كبيرة جداً.

ففي منتصف ديسمبر، أعلنت كندا أنها ستنفق 1.3 مليار دولار لتعزيز الأمن الحدودي، والآن قامت فقط بإعادة تأكيد هذا الالتزام وتعيين مسؤول جديد لمكافحة تهريب الفنتانيل. وبالمثل، هدّأت المكسيك ترامب باستخدام استراتيجيتها القديمة.

فقد وعدت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم بإرسال 10000 جندي إلى الحدود. في عام 2019، عندما واجهت مطلباً مشابها من ترامب، وافقت المكسيك على إرسال ما يقرب من 15000 جندي. وفي عام 2021، عندما كان جو بايدن في منصبه، قامت المكسيك بخطوة مماثلة وأرسلت 10000 عسكري إلى الحدود. وبعبارة أخرى، لم تكن هناك حاجة إلى تهديدات التعرفات الجمركية لتأمين الحدود.

لا توجد أزمة على الحدود الكندية، حيث لا تشكل سوى 1.5% من إجمالي عمليات ضبط المهاجرين التي تقوم بها دوريات الحدود الأميركية، وأقل من 1% من الفنتانيل يعبر إلى الولايات المتحدة من كندا. أما على الحدود المكسيكية فإن عبور المهاجرين قد انخفض بأكثر من 70% مقارنةً بالذروة القياسية في ديسمبر 2023. وربما كان استمرار فرض التعرفات الجمركية على المكسيك ليؤدي إلى نتائج عكسية، لأن الركود جنوب الحدود عادة ما يؤدي إلى المزيد من الهجرة شمالاً.

عاد ترامب إلى استخدام التعرفات الجمركية لتحقيق انتصارات سريعة، لكن هذه المرة يبدو أنه مستعد للمخاطرة أكثر، ففي عام 2019 هدد المكسيك بتعريفات جمركية بنسبة 5% قبل أن يتراجع عنها، أما الآن فرفع التهديد إلى 25%.

لا عجب في أن تجار التجزئة، وعمال البناء، وعمال صناعة السيارات، والمصنعين، وموردي قطاع السيارات، وصناعة بعض المشروبات، والشركات الصغيرة.. جميعهم ناشدوا الرئيس كي يتراجع عن ذلك القرار. وكانت هذه الرسوم ستؤدي إلى رفع الأسعار على الأميركيين، ونطاق تأثيرها كان هائلاً. في ولايته الأولى، فرض ترامب تعريفات جمركية على حوالي 14% من واردات الولايات المتحدة (معظمها من الصين). ولو كان قد استمر في فرض تعريفات على جميع الواردات من كندا والمكسيك والصين، فسيؤثر ذلك على 42% من الواردات، أي ثلاثة أضعاف التأثير السابق.

العديد من السلع التي يعتبرها الأميركيون ضرورية، مثل البنزين والفواكه وهواتف الآيفون، كانت ستتأثر. يكاد جميع الاقتصاديين خارج البيت الأبيض يتفقون على أن هذه التعرفات الثقيلة ستؤدي إلى انخفاض النمو، وزيادة التضخم، ومن المرجح أن تؤدي إلى فقدان وظائف (خاصة في قطاع التصنيع) أكثر مما سيتم الحفاظ عليه.

هذا بالضبط ما حدث بعد التعرفات الجمركية خلال ولاية ترامب الأولى، وفقاً لتحليل أجراه مجلس الاحتياطي الفيدرالي. حتى الآن، فرض الرئيس تعريفات بنسبة 10% على جميع المنتجات الصينية، وردّت الصين بفرض تعريفات على الطاقة الأميركية. وسيؤدي هذا إلى رفع تكاليف العديد من الألعاب والإلكترونيات، لكن النطاق العام يشبه إلى حد كبير ما حدث في ولايته الأولى، نظراً لأن الولايات المتحدة تستورد الآن من الصين أقل مما كانت تستورده في عام 2018.كما يهدد ترامب بفرض تعريفات على الاتحاد الأوروبي، وهذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى أن ألمانيا تحتل المرتبة الرابعة بين أكبر الدول التي تستورد منها الولايات المتحدة، بعد المكسيك والصين وكندا. والسؤال المفتوح هو: ما الذي يجب فهمه من شغف ترامب بالرئيس ويليام ماكينلي، «رجل التعرفات الجمركية» الأصلي من تسعينيات القرن الـ 19؟

يتحدث ترامب عن رغبته في العودة إلى العصر الذي كان فيه الاقتصاد الأميركي يعتمد على عائدات التعرفات ولم تكن هناك ضريبة دخل. قال الرئيس مؤخراً: «كنا في أغنى حالاتنا من 1870 إلى 1913»، وهو كلام غير مدعوم بالبيانات، لكن الرئيس يؤكد: «كنا دولة تعتمد على التعرفات الجمركية. ثم انتقلوا إلى مفهوم ضريبة الدخل. أتعلمون كيف كان ذلك؟».

لا توجد طريقة واقعية يمكن أن تمول الولاياتُ المتحدةُ بها حكومتَها من خلال التعرفات الجمركية وحدها. كما أن التحول إلى زيادة الإيرادات من التعرفات سيضر بالطبقة الوسطى والأميركيين ذوي الدخل المتوسط.

إذا مضى ترامب قدماً في فرض تعريفات على كل من كندا والمكسيك والصين، فسترتفع تكاليف الغذاء والوقود والملابس والضروريات الأخرى للأميركيين. وتشير التقديرات إلى أن الأسرة الأميركية العادية ستدفع ما بين 800 و1,200 دولار إضافية سنوياً. لقد بدأت حرب ترامب التجارية الثانية بداية من شأنها أن تدمر تحالفات راسخة منذ فترة طويلة دون هدف واضح.

هيذر لونج*

*كاتبة عمود أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»