على مدى عقود، هيمنت الأيديولوجية اليسارية على وسائل الإعلام الرئيسية في العالم، مما شكل الخطاب العام في العديد من الدول الغربية.
ومع صعود دونالد ترامب الذي هاجم الإعلام التقليدي واصفًا إياه بـ«الأخبار الكاذبة»، بدأ تحول كبير في النظام الإعلامي، خاصة مع تأثير شخصيات مثل إيلون ماسك. هذا التحول يمتد أيضاً ليؤثر على المشهد الإعلامي العالمي والعالم العربي، حيث كانت وسائل الإعلام التقليدية تهيمن على تشكيل الرأي العام.
ومع ظهور منصات جديدة، بدأ نموذج إعلامي بديل في التبلور يتجاوز هيمنة الإعلام الغربي واحتكاراته الأيديولوجية. خلال فترة رئاسة ترامب (2016-2020)، بدأ تحول كبير في مواجهة هيمنة وسائل الإعلام التقليدية على السرديات السياسية.
فقد كشف عن تحيزات وسائل الإعلام الكبرى مثل «سي إن إن» و«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، مما دفع العديد من الناس للبحث عن مصادر بديلة للمعلومات. وأثبت ترامب أن القادة السياسيين لم يعودوا مضطرين للانصياع لرقابة وسائل الإعلام التقليدية، بل أصبح بإمكانهم التواصل مباشرة مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مؤخراً، دعا ترامب إلى سحب ترخيص البث من قناة سي بي إس نيوز بعد أن أظهرت نسخة غير محررة من مقابلة نائبة الرئيس كامالا هاريس في برنامج «60 دقيقة» أن القناة قامت بتحريف جزء كبير من إجاباتها. وقد انتقد ترامب هذا التصرف عبر منصته «Truth Social»، مؤكداً أن تلك التعديلات كانت تهدف إلى تضليل الجمهور.
من جهة أخرى، نقل إيلون ماسك المعركة الإعلامية إلى مستوى جديد بعد شرائه لتويتر، الذي تحول إلى X في عام 2022. فقد كشف عن تحيز وسائل الإعلام التقليدية من خلال تفكيك الهياكل التي سمحت للأيديولوجيات السائدة بالهيمنة على الخطاب العام. وعبر إلغاء سياسات تعديل المحتوى التي كانت تستهدف الأصوات المحافظة والمناهضة للمؤسسات التقليدية، حول ماسك X إلى منصة تعزز تنوع الآراء، مما ساهم في زيادة قيمتها. بدوره، أكد الأمير الوليد بن طلال في مقابلة مع تاكر كارلسون أن قيادة ماسك جعلت X المنظمة الإعلامية الأولى من حيث التأثير السياسي والاجتماعي، مشيداً بإدارته البراجماتية التي زادت من قيمة X إلى أكثر من ضعف الـ44 مليار دولار التي دفعها ماسك في 2022. وفي ظل هذه التحولات الإعلامية الكبرى، يجب على العالم العربي الاستفادة من هذه التجربة.
وبدلاً من التمسك بالنماذج التقليدية للإعلام الذي تسيطر عليه الدولة أو الذي تتحكم فيه أيديولوجيات يسارية أو قومية، هناك فرصة حقيقية لبناء نظام إعلامي مستقل وديناميكي. من خلال الاستثمار في المنصات الرقمية وتعزيز الصحافة الاستقصائية الجادة، يمكن لوسائل الإعلام العربية أن تعزز مصداقيتها عالمياً. الهدف ليس فقط التصدي للسرديات الغربية، بل الأهم هو بناء بيئة إعلامية تنافسية ومستدامة تنقل واقع المنطقة بموضوعية وشفافية، بعيداً عن الأيديولوجيات القديمة، مع تعزيز نظام إعلامي مرن وشفاف.
د.نجاة السعيد*
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي