يبدو أنه بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن، ستتجه العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في الفترة المقبلة، نحو مزيد من التوثق، وتنفيذ إطار التحالف الاستراتيجي، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يريد أن ينتقل بالعلاقات مع الرئيس ترامب، وفقاً لمعادلة نفعية واقعية، ما يؤكد أن الإدارة ستدعم الحكومة الإسرائيلية في نهجها التفاوضي، بل وفي الداخل، وهو ما يفسر أن المبعوث الأميركي ستيف وتكوف، التقى بعض الوزراء خاصة الوزير بتسلئيل سموتريش، وأقنعه بالاستمرار، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأميركية لديها حساباتها الحذرة والمطروحة في الداخل مع محاولة تطويع المشهد السياسي الراهن، وهو ما يفسر لماذا انخرطت الإدارة الأميركية في محاولة استيعاب الموقف العربي، بعد الإعلان عن الرفض الراهن لفكرة نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، ما دفع «وتكوف» للتأكيد، وفي المقابل بضرورة طرح البديل الجاهز، وليس الرفض فقط في إطار ما يجري من تحركات أميركية في هذا الإطار تعمل لمصلحة الجانب الإسرائيلي في المقام الأول.
ولهذا فإن الإدارة الأميركية ستعمل على تقديم قائمة تحفيزية للحكومة الإسرائيلية لإقناعها بالاستمرار في المشهد الراهن، وتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين أولاً، والانطلاق منه إلى مرحلة تالية، وتختص بالتعامل مع حكم القطاع أصلاً، وكيف ستدار الأوضاع، وفي ظل تصميم حركة «حماس» على أن تكون في الصدارة وعدم التراجع، بل ودخل علي الخط حركة «الجهاد» الاسلامي ما يؤكد أن الداخل الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة قد لا يتغير وإن تم فسيكون عبر ضغوط إقليمية غير قائمة بالفعل، في ظل تخوف حركة «حماس» من تسليم المحتجزين إلى إسرائيل، ثم قيام إسرائيل باحتلال القطاع بالكامل، وهو سيناريو وارد، خاصة أن الأفكار المطروحة للإسناد المجتمعي أو تشكيل حكومة تكنوقراطية، سيحتاج بعض الوقت في ظل تصميم الحكومة الإسرائيلية على عدم وجود حركة «حماس» في المشهد الراهن، ما يؤكد أن إسرائيل ستترقب المشهد أيضاً، وتعمل علي الاستعداد له.
في ظل هذا المناخ غير المستقر يبدو أن ضابط إيقاع المشهد هو الجانب الأميركي، وستكشف تحركات الإدارة، والرئيس ترامب شخصياً على المنهج الذي ستعتمده الإدارة الأميركية في تعاملها، خاصة أن هناك تشككاً في تجاوب الدول العربية المعنية بما قد يطرح أميركياً برغم المحاولات للتأكيد على الشراكة العربية الأميركية، والالتزام بخيار حل الدولتين، وهو ما يؤكد أن الدول العربية ماضية في المطالبة بهذا الطرح، وهو ما سيترجم في موقف السعودية بالتنسيق مع فرنسا في الدعوة للمؤتمر الدولي ترجمة لما هو جار من تطورات مهمة متعلقة بهذا الأمر، وستناور الإدارة الأميركية في التعامل مع الشروط السعودية لإقامة علاقات مع إسرائيل.
الدول العربية تملك أوراقاً حقيقية تحتاج إلى تنسيق وترتيب مهم، ووفق الأولويات السياسية والأمنية المطروحة، وهو ما تضعه إسرائيل في حساباتها، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يعول كثيراً على شخص الرئيس ترامب لرأب الصدع في داخل الائتلاف أولاً، ثم مع الدول العربية الحليفة، وبما يؤكد أن إسرائيل كحكومة ستمضي في خيارات متعددة دون أن تُسقط أي خيار في هذا الإطار، وهو ما يتطلب الاستمرار في تنفيذ مراحل الهدنة وانتظار وترقب سلوك الطرف الآخر، خاصة أن الرهانات على العودة إلى المواجهة مجدداً ستظل قائمة، وهو ما تتحسب له حركة «حماس» بالفعل في ظل ما يجري من تطورات، لاسيما أن نتنياهو سعى لإقناع الإدارة الأميركية بضرورة التركيز على التهديد الإيراني أولاً، لإعطائه هامشاً زمنياً أكبر للتعامل مع غزة من دون ضغوط.
في هذا السياق يعتبر الرئيس ترامب تطبيق وقف إطلاق النار في غزة خطوة ضرورية لتمهيد الطريق أمام تطوير العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وينهي حكم «حماس» في القطاع، وعلى اعتبار أن ترامب ملتزم بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى، كما أنه يدرك أن الدول العربية لن تستثمر في إعمار غزة ما دامت الحرب مستمرة و«حماس» لا تزال في السلطة. وفي المنظور الإسرائيلي، فإيران لا تزال تعتبر التهديد الأمني الرئيس لإسرائيل، ولا سيما بسبب طموحاتها النووية، والجدل الدائر بشأن ما إذا كان على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أو استهداف بنيتها التحتية للطاقة، أو الاعتماد على الضغط الاقتصادي والسياسي لزعزعة استقرار نظامها.
ولهذا فإن من المهم لنتنياهو ضمان إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، وأشارت إلى أن عائلات الأسرى الأميركيين ناشدت ترامب بشكل مباشر، ما جعل القضية ذات أهمية شخصية لإدارته، حيث ستطلب الولايات المتحدة من الشركاء واسرائيل إجراءات متبادلة، وأهمها تركيز إدارة ترامب علي رؤية ومقاربة اقتصادية، وإن تحقيق أي تقدم سياسي مرتبط بالتعاون الاقتصادي (تحويل غزة لسنغافورة – موناكو)، ومحاولة إحداث اختراق في الموقف الراهن والمطروح تجاه السعودية وعدم إضاعة الوقت في مفاوضات سياسية، أو أمنية والانخراط في المجال الاقتصادي بصورة كبيرة، ويتطلب ذلك عربياً سرعة التحرك الدبلوماسي بمزيد من الإجراءات في الدوائر الأميركية لتعزيز الوجود العربي، وعدم البقاء في موقع رد الفعل.
وفي المجمل، فإن من المرجح أن يستمر الرئيس ترامب في تهميش حل الدولتين، وتعزيز نماذج اقتصادية مماثلة لصفقة القرن، مع التركيز على البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في الساحة الفلسطينية بدلاً من التسوية الإسرائيلية الفلسطينية الشاملة، وكذلك معارضة أي تسريع لضم إسرائيل للضفة الغربية، لأن مثل هذه التحركات قد تكون ضارة بقدرته على تعزيز رؤية للسلام الإقليمي.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.