يحتفل العالم في الرابع من فبراير كل عام باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، وهي المناسبة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 ديسمبر 2020، ضمن مبادرة قادتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، وتمثّل هذه المناسبة فرصة للحديث عن دولة الإمارات، التي أثبتت نفسها قائدةً عالميةً في تعزيز التسامح والحوار بين الحضارات، من خلال العديد من المبادرات الملهمة.
ويُعدُّ بيت العائلة الإبراهيمية، واحداً من أكثر الرموز الملموسة لالتزام الإمارات بقيم الأُخوَّة الإنسانية، وهو تحفة معمارية فريدة تضم مسجداً، وكنيسة، وكنيساً يهوديّاً في مجمع واحد، ومن ثم فهو رمز للوحدة والقيم المشتركة بين أتباع الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ومن خلال جمع هذه الديانات الإبراهيمية الثلاث، التي تتشارك في إرث واحد، تؤكد دولة الإمارات أهمية التركيز على ما يوحِّد البشرية بدلاً مما يفرقها.
ويتجذَّر التزام دولة الإمارات بالأُخوَّة الإنسانية في دورها راعياً مشاركاً لوثيقة الأُخوَّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وقّعها في أبوظبي في الرابع من فبراير عام 2019 البابا فرنسيس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتؤكد الوثيقة أن التنوع في الدين والثقافة والعرق ليس تهديداً، بل نعمة إلهية تهدف إلى إثراء البشرية. وتدعو الوثيقة الناس في جميع أنحاء العالم إلى رفض العنف والتعصب، والعمل بشكل جماعي لبناء مجتمعات قائمة على الحب، والرحمة، والاحترام المتبادل.
ولطالما اشتهرت دولة الإمارات بأنها مجتمع يضم أكثر من 200 جنسية تتعايش بوِفاق ووئام، وقد جعلت القيادة الرشيدة التسامح ركيزة أساسية لهويتنا الوطنية، وكرَّسته في كل السياسات والممارسات. وهنا تجدر الإشارة إلى إعلان المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 2019 «عاماً للتسامح» في دولة الإمارات، ما عزَّز مكانتها مدافعاً عالميّاً عن التعايش المشترك.
وتعكس مبادرات مثل إنشاء وزارة التسامح والتعايش النهج الراسخ لدولة الإمارات، وتهدف هذه الجهود إلى خلق مجتمع لا يكتفي بتقبُّل التنوع، بل يحتفي به، ومن خلال استضافة الفعَّاليات الدولية، ودعم الحوارات بين الأديان، تواصل الدولة إلهام الدول الأخرى لاعتماد نهج مماثل.
إن تعزيز الأُخوَّة الإنسانية بات ضرورة عالمية، فالقيم السامية، مثل السلام، والحوار، والتعايش، أصبحت أكثر أهميةً من أيِّ وقت مضى في عالم يواجه تحديات غير مسبوقة، تتطلب حشد الجهود الدولية لمواجهتها بشكل حاسم. ولقد حظيت جهود دولة الإمارات في مجال تكريس التسامح باعتراف واسع النطاق، ومن خلال تعزيز مبادئ الأُخوَّة الإنسانية أصبحت لاعباً رئيسياً في المحادثات العالمية حول بناء السلام والتفاهم بين الثقافات. وتشكل مبادراتها نموذجاً يُحتذى به لتحقيق التوافق العالمي، ما يثبت أن التعايش ليس مجرد فكرة مثالية، بل واقعاً يمكن تحقيقه.
ويكمن التأثير الحقيقي للأُخوَّة الإنسانية في قدرتها على تشكيل الأجيال المقبلة، إذ يقع على عاتق المؤسسات التعليمية، وصنَّاع السياسات، وقادة المجتمع، دور أساسي في غرس قيم التعاطف، والاحترام، والتعاون بين الشباب، فعلى سبيل المثال لم يُصمَّم بيت العائلة الإبراهيمية مكانًا للعبادة فحسب، بل مركزاً تعليمياً يُلهم التعلم والحوار حول التراث المشترك للبشرية أيضاً.
ومن خلال إنشاء مساحات وفرص تتيح للناس التفاعل مع بعضهم البعض عبر الحدود الثقافية والدينية، تستثمر دولة الإمارات في مستقبل ينتصر فيه الفهم والتعاون على الانقسام وانعدام الثقة، وبينما تواصل دولة الإمارات قيادة الطريق تقدم مبادئ الأُخوَّة الإنسانية رؤية مقنعة لعالم يسوده السلام والتعايش. ويُعَدُّ «بيت العائلة الإبراهيمية» و«وثيقة الأُخوَّة الإنسانية» تذكيريْن قويَّين بأن الوحدة ليست ممكنة فقط، بل ضرورية لمواجهة التحديات المشتركة لعصرنا.
وفي منطقة غالباً ما ينظر إليها بصفتها بؤرة للصراع، يمثل التزام دولة الإمارات الراسخ بتعزيز الحوار والتسامح نموذجاً ملهِماً، وهو دعوة للأفراد والمجتمعات والدول حول العالم إلى تبنِّي قيم الاحترام والتفاهم والإنسانية المشتركة، إذ يمكننا من خلال القيام بذلك أن نمهِّد الطريق بشكل جماعي لمستقبل أكثر إشراقاً وتوافقاً للأجيال المقبلة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية