الوضع الفلسطيني في هذا الظرف الاستثنائي لا يحتمل، دولة في «الضفة الغربية»، وأخرى في «غزة». نفترض بأن المسؤول الفلسطيني المعني بملف المفاوضات لديه من المعرفة بالواقع أكثر من غيره، فهو الذي يلمح بأن إسرائيل لديها سيناريو ضم الضفة وغزة إلى أراضيها كأمر واقع ليس إلّا.
أميركا وإسرائيل تروجان هذه الأيام لسلاح جديد يسمى «فرض الأمر الواقع»، وهو أشد خطورة من أي سلاح، وهو لا يطبق إلّا على القضايا التي تتعلق بالعرب والمسلمين، وأما مع الآخرين فهو سياسة السكوت، وغض البصر. 
إسرائيل تتذرع بغياب الممثل الشرعي للقضية الفلسطينية، نظراً لوجود سلطتين حاكمتين في الضفة وغزة، فالجمع بينهما منذ أعوام الخصام أقرب إلى الانفصام بعد الانفصال. 
الهدف من كل ذلك هو جعل فلسطين كأنها «فص ملح وذاب»، فالعقدة الفلسطينية بين الضفة وغزة ستقارب العقد منذ الفصل بينهما بحكم الواقع أيضاً. يبدو أن إسرائيل لن تنتظر طويلاً حتى تحدث معجزة الالتحام بين الخصمين. 
أهم ما في هذه المرحلة بالنسبة للقضية الفلسطينية برمتها القدس «شرقيها وغربيها»، وهي في الأصل «لا شرقية ولا غربية»، بل عالمية. 
وبعد ما نقلت أميركا سفارتها من تل أبيب إلى القدس في خطوة تعد تحدياً غير مسبوق لدولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية، للإعلان عن الإنحياز التام لإسرائيل، بعد أن ادعت لعقود مضت دور الوسيط النزيه لتحقيق مشروع السلام الشامل والكامل في الشرق الأوسط، اتجهت بعض الدول لتكرار الخطوة الأميركية.
وهاكم الدول المسرعة لنقل سفاراتها إلى القدس الغربية، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن هندوراس ورومانيا تستعدان لنقل سفاراتيهما إلى القدس، فيما ندد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بهذه التحركات، واصفاً إياها بغير القانونية. 
ووعدت رئيسة حكومة رومانيا، خلال زيارة لها إلى الولايات المتحدة، بنقل مقر سفارة بلادها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي، ويعارضه الرئيس الروماني!
وفي الوقت نفسه، لا تريد إسرائيل الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة منذ أكثر من سبعة عقود من الوعود الكاذبة بعكس «وعد بلفور».
وتريد إسرائيل أن تجعل من القدس الشرقية موضوعاً للمفاوضات في قادم الأيام، وليس شرطاً متحققاً لمصلحة الفلسطينيين، ولا مستحَقاً للعاصمة.
وهو ما جعل من الأردن الدولة الوازنة بالنسبة للقضية الفلسطينية منذ القدم، الخروج عن المعتاد، وعلى لسان الملك عبدالله الثاني الذي طلب من شعبه الوقوف معه صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، من أجل القدس حيث قال: «عمري ما رح أغيّر موقفي بالنسبة للقدس، فموقف الهاشميين من القدس واضح، ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية علينا واجب تاريخي تجاه القدس والمقدسات». وتابع قائلاً: «بالنسبة لي القدس خط أحمر». وفيما يتعلق بالحديث عن الوطن البديل، قال الملك: «أي حدا بيحكي عن وطن بديل» الجواب: «كلا».
لا بد أولاً من توحيد الصف الفلسطيني بأي ثمن، وإلا ضاعت فلسطين من بين أيدي الفلسطينيين بلا ثمن.
وأيضاً المعوّل أولاً وأخيراً على أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فهم باستطاعتهم كسر أجنحة أي مشروع تفوح من خلاله رائحة للصفقات المشبوهة، وتحويلها إلى منبوذة.
*كاتب إماراتي