يشهد قطاع صناعة السيارات في الهند ازدهاراً وتحولاً غير مسبوق، في الوقت الحالي. وهناك مؤشرات واضحة على مستقبل مشرق لهذا القطاع في البلاد. ولئن كان أحد المحركات الرئيسية للقطاع هو وجود طبقة وسطى كبيرة ومتنامية، إلى جانب فئة سكانية شابة وطموحة، فإن الطلب على السيارات والمركبات الكبيرة المصنّعة في الهند في تزايد مستمر على مستوى السوق الدولية.
وقد شهد معرض الهند العالمي للتنقل 2025، هذا الشهر، مشاركة ألف و500 عارض وإطلاق 239 منتَجاً جديداً، وتم خلاله عرض أحدث التطورات في تكنولوجيا صناعة السيارات والاستدامة. كما شهد المعرض إطلاق 90 مركبة، بما في ذلك 10 سيارات صغيرة متعددة الاستخدامات، يقلّ سعرها عن 3 ملايين روبية، أي ما يعادل 4 آلاف دولار أميركي، ومعظمها سيارات كهربائية، مما يبرز الاتجاه الذي تسير فيه البلاد نحو مزيد من الاستدامة، وسط المخاوف التي يثيرها التغير المناخي. ويُعد قطاع السيارات الهندي أحد محركات قطاع التصنيع في البلاد، وأحد القطاعات التي ساعدت على خلق فرص عمل وسط تزايد الطلب على السيارات. ومن المتوقع أن يواصل نموه بوتيرة سريعة، مما يساعد على النهوض بقطاع التصنيع، وهو أحد الأهداف الرئيسية للحكومة الحالية.
وتحتاج الهند إلى دفع عجلة التصنيع من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، بالنظر إلى امتلاكها القوى العاملة والطلب المحلي. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يحقق سوق السيارات الهندي معدل نمو يصل 9.7٪ خلال الفترة بين عامي 2023 و2030. كما يتوقع أن تصل قيمة سوق سيارات الركاب الهندي إلى 54.84 مليار دولار بحلول 2027. وتُعد الهند واحدة من كبرى أربع دول مصنّعة للسيارات بعد الصين والولايات المتحدة واليابان، ومن المتوقع أن تصل قيمة صناعة السيارات فيها إلى 203.25 مليار دولار بحلول 2030. وفي الهند، يتم تصنيع سيارات مثل «جاكوار» و«لاند روفر»، وغيرهما حصرياً بوساطة شركة «تاتا موتورز».
ومن بين العوامل التي تدعم نمو قطاع السيارات تزايد الدخل في الهند. ولهذا السبب، ما فتئ هذا القطاع يجذب الاستثمارات الأجنبية، إذ يختار العديد من مصنّعي السيارات إنشاء مصانعهم في الهند. وكانت ولاية تاميل نادو، جنوبي الهند، من بين أولى الولايات الهندية التي جذبت مصنّعي السيارات في أواخر التسعينيات، وكانت «فورد» و«هيونداي» من أوائل القادمين إلى هذا الساحل الجنوبي، ثم تبعتها شركات أخرى مثل «رينو» و«نيسان» و«بي إم دبليو» وغيرها. ومؤخراً، كشفت شركة «تاتا موتورز» عن خطتها لاستثمار 90 مليار روبية هندية من أجل إنشاء وحدة لتصنيع السيارات بالقرب من تشيناي، عاصمة ولاية تاميل نادو. وأعلنت اعتزامها بناء منشأة متطورة لتصنيع السيارات هناك، وهي وحدة صناعية يتوقع أن توفر حوالي 5 آلاف فرصة عمل.
وهناك العديد من التطورات الأخرى في قطاع السيارات الهندي، مما يشير إلى دينامية هذا القطاع. ومن ذلك إطلاق أكبر طرح عام أولي للاكتتاب العام في الهند من قبل شركة «هيونداي» الكورية العملاقة للسيارات. وقد وصل حجم هذا الطرح إلى 278 مليار روبية، وهو أكبر طرح للأسهم في الهند على الإطلاق. وتُعد كل من «ماروتي سوزوكي» و«هيونداي موتورز» و«تاتا» و«ماهيندرا» شركات عامة، وهي تمتلك مجتمعة حوالي 80٪ من صناعة السيارات في الهند.
ومن المتوقع أن يستمر نمو قطاع السيارات في الهند خلال السنوات المقبلة، نظراً لعدة عوامل، مثل عدد السكان ونسبة الشباب بينهم، ونمو الطبقة الوسطى، والسيارات ذات الأسعار المعقولة لكونها مصنوعة محلياً، علاوة على وجود بنية تحتية حديثة. وتهدف الهند إلى تعزيز صادراتها في هذا المجال. ويذكر هنا أنها تصدّر حالياً حوالي 25 مليون سيارة سنوياً.
غير أن القطاع مازال يواجه بعض التحديات في وقت يشهد فيه الاقتصاد الهندي بعض الرياح المعاكسة، مثل تراجع الاستهلاك. وإذا كان قطاع السيارات الفاخرة من المتوقع أن يواصل نموه، فإن السيارات من المستوى المبتدئ لا تحقق أداءً جيداً، إذ انخفض الاستهلاك في المناطق الحضرية في الهند، ما أدى إلى انخفاض المبيعات في الفئة الدنيا من السيارات. إلا أنه يُنظر إلى هذا الأمر على أنه مؤقت، وسط تراجع النمو الاقتصادي، رغم أن الهند تظل واحدةً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. كما يواجه إنفاق الطبقة المتوسطة بعض الرياح المعاكسة بسبب ارتفاع التضخم، ومن غير الواضح متى سيحدث التعافي.
والواقع أن مؤشرات على تأثر مشاعر المستهلكين في المدن الهندية الكبرى، مثل مومباي ودلهي، ظهرت خلال العام المنصرم في قطاعات متنوعة، بدءاً من فتور مبيعات البسكويت ذي العلامات التجارية الفاخرة، مروراً بتراجع مبيعات دهانات المنازل، وصولاً إلى مبيعات دون المتوقع في مجال السيارات من المستوى المبتدئ. وتعود أسباب ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض نمو الأجور، والتضخم.
ومع ذلك، فمن المحتمل أن تحقق السيارات الصغيرة تحولاً من حيث المبيعات في الهند هذا العام، حتى في وقت يتوقع أن ينمو فيه حجم سوق السيارات المستعملة بنسبة 16٪. والأكيد أن نمو قطاع السيارات في الهند يظل واعداً، إذ من المتوقع أن تضمن القاعدة الكبيرة والطموحة من الطبقة المتوسطة والسكان الشباب مستقبلاً مشرقاً للقطاع.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي