المبدأ الأساسي للتعامل مع إدارة ترامب هو إدراك حقيقة أنها إدارة الاتفاقيات والصفقات الثنائية وإعادة الأعمار السياسي والتوجه القومي المسيحي وتعزيز رؤية «أميركا أولاً»، وبأنها إدارة لها خارطة طريق واضحة لإنعاش الاقتصاد الأميركي وسيادة العالم تكنولوجياً لتحويل العالم إلى دول افتراضية يسيطر عليها مركز ثقل تقني واحد وهو ما ستبينه الأحداث القادمة في الفضاء الإلكتروني، وذلك كسيناريو توقف خدمة الإنترنت عالمياً وفرض البدائل، وأما بخصوص سياسة ترامب نحو المنطقة العربية وبقية الدول المجاورة لها فيجب أن يفهم من تصريحات ترامب بضم بعض المناطق في العالم، وإعادة تسمية بعض المناطق الجغرافية في البر والبحر بمسميات تبقى إرثاً أميركياً للأجيال القادمة، وفرض الضرائب المبالغ بها والتعريفات الجائرة لإخضاعها للأمر الواقع، هي بمثابة رسائل استراتيجية موجهة لبقية دول العالم.
يرى ترامب أن الشركات الأميركية يجب أن تصنع منتجاتها على الأراضي الأميركية، وعودة الاستثمارات والصناعات الأميركية إلى الديار، تماشياً مع رؤيته العالمية وتصريحاته عن إنهاء بعض الحروب القائمة في العالم. ترامب يرى أن إسرائيل دولة صغيرة الحجم مقارنةً بمكانتها العالمية قد أشعلت جولة من التكهنات، وخاصة أن المنطقة بها حكومات لها ثوابت ومبادئ تمثل جزءاً من هويتها الوطنية، بينما الشعوب التي لا تدرك أن التاريخ والجغرافيا من يصنع المستقبل ستتفاجأ بما سيحل بالقضية الفلسطينية.
لفهم كيف ستكون سياسة ترامب في المنطقة يجب الرجوع إلى قرارات ترامب، خلال فترة رئاسته الأولى في سدة الحكم، والتي تشكل بالفعل عقيدة أميركا في الشرق الأوسط، وعكس ما يراه أخطاء السنوات الأربع الماضية. وفي حين تعهد ترامب بإنهاء الحروب الجارية في المنطقة، يجب عليه أن يأخذ في الاعتبار عواقب تصاعد الفوضى والتداعيات الاقتصادية إذا كان هناك توقف مؤقت للصراعات في غزة ولبنان وسوريا، بدلاً من السلام الدائم، وإهمال النظر لقضايا المنطقة من زوايا وإبعاد مختلفة.
تغيرت العلاقات بين دول المنطقة بشكل ملحوظ منذ ولاية ترامب الأولى، ما يوفر ديناميكية جديدة قد تستخدمها الولايات المتحدة لتعزيز الاستقرار الإقليمي والأجندة الجيواقتصادية التي أعطاها الرئيس ترامب الأولوية، ولكن ما هي الرسالة التي أراد أن يوجهها للمنطقة عندما ألغى قراراً صدر في عهد «بايدن» كان قد عكس العقوبات المفروضة من المحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل، ويتعلق أحد هذه القرارات بالأمر التنفيذي (14115) الذي استُخدم لمعاقبة بعض الشخصيات الإسرائيلية، ورفع العقوبات التي فرضتها إدارة «بايدن» على المستوطنين والناشطين في المنظمات اليمينية، ومن المتوقع أن يلغي قراراً آخر أوقف تسليم قنابل تزن 2000 رطل إلى إسرائيل، بجانب طرح خطة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن.
سيعمل ترامب جاهداً لتعزيز العلاقات مع دول الخليج، وقد تكون أول زيارة خارجية له لعاصمة خليجية إن لم تكن لإسرائيل أو الفاتكيان، وهو ما سيوضح اتجاهات ترامب الثابتة في الفترة القادمة بما في ذلك الدور الذي ستلعبه التوجهات العقائدية بالشراكة مع الاقتصاد في توجهات ترامب، والحاجة إلى أن يكون رئيساً مهتماً برؤوس الأموال لسد ثغرات في الاقتصاد الأميركي، وهي ستكون نقطة محورية في تعامله مع المنطقة واقتصاد المنطقة وأسواق الطاقة .
ونظراً لطبيعة ترامب غير المتوقعة، فإن هناك شيئاً واحداً مؤكداً، أن ديناميكيات المنطقة المتطورة ستتطلب الابتعاد عن سياسات ولايته السابقة، ودراسة بدائل الضغط على طهران كمخدر موضعي للتحديات، وإيجاد الحلول المستدامة من خلال دعم الخيارات والحلول التي ستأتي من دول المنطقة نفسها.
العامل الآخر الذي يهدد أمن المنطقة هو ما يجري في سوريا، وهي المحطة الأبرز لصراع دولي وإقليمي سيلقي بظلاله حتماً على المنطقة والعالم ككل، فكيف ستتفق دول المنطقة الأهم لوضع أجندة مشتركة للوصول إلى توافق دولي، وإنْ كان نسبياً حيال ما يجري هناك، والضغط المشترك على الإدارة الأميركية لدعم التقارب الإقليمي كوسيلة لحماية مصالح الجميع أثناء التحرك نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي كحجر أساس لاتفاقيات موسعة، ستحتاج حتماً للتضحيات، وبعض التنازلات المؤلمة من جميع الأطراف.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات