أُقيم حفل تنصيب دونالد ترامب، الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، في القاعة المستديرة تحت قبة مبنى الكابيتول الأميركي، بسبب برودة الطقس. وقال ترامب في الخطاب الرسمي الذي ألقاه بهذه المناسبة إن «انحدار أميركا انتهى»، مبشِّراً ببداية «العصر الذهبي لأميركا». 
ترامب عدّد العديد من التغييرات التي يعتزم إحداثها في إدارته الجديدة. وقام على مدار اليوم بتوقيع جملة من الأوامر التنفيذية لإلغاء العديد من سياسات جو بايدن، لكن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه كان إصداره عفواً عن 1500 شخص أُدينوا بارتكاب جرائم خلال التمرد على الكونجرس في 6 يناير 2021.
وكان «الديمقراطيون» وأنصارهم هادئين مستسلمين، على عكس ردة فعلهم على حفل تنصيب ترامب الأول في 2017 عندما خرج مئات الآلاف إلى شوارع واشنطن للتظاهر والاحتجاج. وقد يكون أحد أسباب ذلك هو الطقس البارد، لكن الأرجح أن يكون السبب الرئيس هو مجرد الإرهاق والتعب من معارضة رجل نجا من محاولة اغتيال وأُعيد انتخابه بأغلبية واضحة رغم كل الصعاب التي واجهها.
أنصار ترامب اعتبروا هذا اليوم انتصاراً له. وقد حضره ضيوف مهمون جداً حَفُّوا به أثناء إلقائه خطابَه. وإلى جانب أفراد عائلته، كان معظم هؤلاء الضيوف من عمالقة التكنولوجيا، مثل إيلون ماسك، وجيف بيزوس، ومارك زوكربرغ.. وغيرهم من المليارديرات الذين مُنح بعضهم مناصب رئيسة في الإدارة الجديدة. وقد تعهدوا جميعاً بـ«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، لكن لا أحد منهم بداً مستعداً للاعتراف علناً بحقيقة أساسية، ألا وهي أن بايدن قد يكون غادر الرئاسة بمعدل تأييد شعبي منخفض، إلا أن الاقتصاد الأميركي حالياً في أحسن أحواله، وقد بات موضع حسد من دول العالم بالنظر إلى الانخفاض القياسي في معدلات البطالة وازدهار الأسواق.
ثم إنه إذا كان ترامب قد فاز في الانتخابات بـ312 صوتاً في المجمع الانتخابي مقابل 226 صوتاً لكمالا هاريس، فإن هذا لم يكن انتصاراً ساحقاً شبيهاً بانتصارات «جمهوريين» آخرين مثل ريتشارد نيكسون في عام 1972، ورونالد ريغن في عامي 1980 و1984، وجورج بوش الأب في عام 1988. ويسيطر «الجمهوريون» الآن على البيت الأبيض ومجلسي الكونجرس، لكن أغلبيتهم في مجلس النواب، الذي يتحكم في تخصيص الميزانية، ضئيلة جداً. 
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، انسحب ترامب من اتفاقيتي باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. وجدّد التعبير عن رغبته في استعادة السيطرة على قناة بنما، وأعاد تسمية خليج المكسيك بخليج أميركا. وكان ترامب قد عمل مع بايدن، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لممارسة الضغط على إسرائيل و«حماس» من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ويتعين عليه الآن اتخاذ قرار بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران، بما في ذلك البت في دعوة بعض أنصاره إلى استخدام القوة من أجل تدمير البرنامج النووي الإيراني. أما فيما يتعلق بأوروبا، فقد أظهر ترامب ووزير خارجيته الجديد، ماركو روبيو، خطاً متشدداً في دعم أوكرانيا حتى الآن، ما يوحي بأنه لن تكون هناك نهاية فورية لالتزام الولايات المتحدة بأمن حلف «الناتو» وأوكرانيا، ولن يكون هناك اتفاق أحادي الجانب مع روسيا. 
وخلال الأسابيع القادمة، سيتضح ما إن كانت أجندة ترامب الاقتصادية التي تدعو إلى فرض رسوم جمركية عالية على السلع المستوردة من المكسيك وكندا وأوروبا والصين، ستؤدي إلى تدابير انتقامية، وتعطيل الأسواق والتأثير على المؤشرات الاقتصادية الرئيسة، وخاصة التضخم والتوظيف. 
أما الاختبار الكبير الثاني، فهو تعهد ترامب بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين استقروا في أنحاء مختلفة من البلاد. والكثير من هؤلاء المهاجرين يُعدون عمالاً أساسيين في الإنتاج الزراعي وقطاع البناء. والأكيد أن الكيفية التي سيتعامل بها مع هذه العملية الحساسة هي التي ستحدد ما إن كانت هذه المشكلة ستتحول إلى نقطة اشتعال بالنسبة للإدارة الجديدة. ذلك أنه إذا تم التعامل معها بطريقة رحيمة ومدروسة، فإنه سيحظى بدعم العديد من الأميركيين. أما إذا تم اعتماد بعض السياسات التي يدعو إليها المتشددون، بما في ذلك إنشاء معسكرات احتجاز واستخدام الجيش الأميركي، فإنه سيواجه تحديات دستورية ستهيمن على الأخبار.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن