مشاهد مروعة تابعها العالم على شاشات التلفاز، وانتشرت في كل مواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة مباشرة بين الطبيعة والإنسان، وجهود احتواء لا تتوقف لحرائق الغابات في «إيتون» و«باليساديس» في لوس أنجلوس، والتي تعد الأكبر في تاريخ ولاية كاليفورنيا، وتحديداً في مقاطعة لوس أنجلوس منذ أكثر من 14 يوماً. وحسب تقديرات الخبراء كانت هذه الحرائق هي الأكبر من نوعها في الولاية منذ 40 عاماً، وتقدر قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية الإجمالية الناجمة عنها ما بين (250 – 275) مليار دولار، وتدمير أكثر من 12 ألف منشأة وأحياء بأكملها سوتها النيران بالأرض، إضافة إلى دمار بيئي غير مسبوق.
وبينما يعمل المحققون على اكتشاف سبب حرائق الغابات المتعددة، انتشرت بعض نظريات المؤامرات حول أصول الحرائق على منصات التواصل الاجتماعي، وقد حققت تلك المنشورات حول هذه النظريات مئات الملايين من المشاهدات، ما بين مشاركة أسلحة الحكومة السرية كأسلحة الطاقة الموجهة لفرض أجندات مستقبلية على المستوى المحلي والعالمي، ومؤامرة الاستيلاء على الأراضي، وبناء مدن ذكية حصرية للأغنياء والمهنيين أصحاب الرواتب المرتفعة للغاية، ومؤامرة التستر على جرائم المشاهير، وادعاءات بأن الأحوال الجوية التي زادت من سوء الموقف هي من صنع الإنسان، وغيرها من المنشورات التي تدحضها الجهات الحكومية الرسمية، والتركيز على إلقاء اللوم في المقام الأول على التغيّر المناخي والقوة الفيزيائية للنار.
ويبقى السؤال: مع كل التقدم العلمي والتقني الذي وصل إليه الإنسان اليوم، ألا يعد ما حدث متوقعاً وهو تكرار لأحداث سابقة؟ وهنا يشير المشككين لإحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وبدأ حقبة عولمة الحرب على الإرهاب وما تبع ذلك من متغيرات، وفي حين أن حرائق الغابات في كاليفورنيا تشكل جزءاً طبيعياً من المشهد الطبيعي، فإن خطر اندلاع حرائق حضرية يمتد أيضاً إلى ما هو أبعد من الولاية، وهي الحالة الثالثة من اندلاع حرائق حضرية في ظل إدارة «بايدن»، وبالتالي فإن التكيف مع تغيّر المناخ هو الخيار السياسي الأفضل على الفور، والطريقة الأكثر قابليةً للتطبيق، والوضوح للحد من أخطار حرائق الغابات في كاليفورنيا والعالم في المستقبل وفق الرواية الرسمية.
المناخ سيكون مفتاح السياسات الجديدة لإعادة توزيع موازين القوى في النظام العالمي الحالي والقادم والمزيد من الحرائق والزلازل والاعاصير والفيضانات والعواصف الثلجية وموجات الجفاف والأوبئة والحوادث الكبرى وخاصة في البحر! فحجم الكوارث التي ستواجه العالم ستغيره حتمياً، وستحدد كيف سيعيش البشر وأين، وإعادة بناء البنية الأساسية في المناطق الخطرة سيكون الصناعة الأكثر دخلاً في العالم، إلى جانب صناعة الحد من تداعيات التغير المناخي، وتشجيع التنمية الاقتصادية في المناطق الأقل عرضةً للكوارث الناجمة عن تغير المناخ، والمناطق التي سيتركها السكان خلفهم هي أين تكمن الثروات والخيرات الطبيعية الأهم. وسترتبط مصالح الدول والحفاظ عليها بالمقام الأول بما قد يلحقه تغير المناخ العالمي بها، وسيفرض المناخ مخاطر أمنية أكبر وأكثر تأكيداً من قضايا السياسة الخارجية والاقتصادية والعسكرية. وما حدث في حرائق كاليفورنيا هو رسالة مضمونها أن الولايات المتحدة - التي لا تمثل سوى أقل من 10% من انبعاثات الاحتباس الحراري في المستقبل على مدى القرن المقبل - ستعاني من أضرار اقتصادية هائلة جراء انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الخارج، وبالتالي سيمثل وقف هذه الانبعاثات هدفاً حيوياً للأمن القومي وأكثر قيمةً من أي أولوية أخرى.
كما تمهد الحرائق لسياسة خارجية ديناميكية ومرنة ستركز عليها سياسة الرئيس دونالد ترامب، وأجهزة الاستخبارات والبعثات الدبلوماسية، وغيرها من الأجهزة الأميركية حالياً وفي المستقبل، وستحتاج الولايات المتحدة إلى وضع ميزانية للتأثيرات المناخية المميتة بشكل متزايد مع تصاعد تكاليف تغير المناخ، وبالتالي فإن قدرة الولايات المتحدة على حماية مواطنيها، وإعادة بناء البنية الأساسية (في المناطق الأقل عرضةً للكوارث)، والاستثمار في تدابير التكيف والمرونة.
التصدي للتغير المناخي سوف يتطلب مصادر دخل غير محدودة في العقود القادمة، ولذلك استعدوا لحقبة حروب التغير المناخي الباردة والتي ستكون لها تأثيرات غير باردة حتماً، ولا مجال للتضحية بالموارد الأميركية الاستراتيجية الأهم فيها من أجل الآخرين.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمى وحوار الثقافات