مع تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض في 20 يناير الجاري، ثمة سؤال يتردد مؤداه: كيف سيتعامل الرئيس الأميركي الجديد واقعياً مع القضايا العربية والشرق الأوسط، والتي اعتمد فيها على لغة التهديد والوعيد، مقارنة بتصريحات مشابهة للحرب في أوكرانيا أو السلوك الروسي أو التعامل مع حلف «الناتو» والشركاء الأوروبيين، في إطار تعريفه للأمن الأوروبي، والعمل مع الحلفاء في مناطق العالم.

وفي المقابل، فإن السؤال المطروح أيضاً، هل تملك الدول العربية قدراً من المناورة للتعامل في خصوصية العلاقات الأميركية- الإسرائيلية على سبيل المثال ليس فقط في الملف الفلسطيني، أو السوري، وإنما في مسارات العلاقات العربية الأميركية، والتعامل مع إدارة ترامب على أنها إدارة عملية تعتمد خيار التكلفة والعائد في تعاملاتها انطلاقاً من حسابات المكسب والخسارة، والتي قد تعطي الفرصة للدول العربية بالتعامل بقدر من الحرفية المطلوبة للحصول على مكاسب حقيقية.

واقعياً، وبمنطق سياسي واستراتجي ما تزال الولايات المتحدة في حاجة للشركاء العرب – تخوفاً من أي ارتداد - بما يملكون من قدرات في مستوى التحالف العسكري والاستراتيجي، خاصة أن بعض الدول العربية اتجهت في الإدارة السابقة للتعامل مع الصين وروسيا، بل وحدثت تجاذبات حقيقية في التأكيد على إمكانية أن يكون هناك آليات أخرى للتحرك والتعامل، وهو ما دفع إدارة بايدن للتدخل على عجل تخوفاً من تحركات هيكلية قد تؤدي إلى خسائر للإدارة في مستويات كبيرة وعديدة بعيداً عما يمكن أن يطرح بشأن استبدال حليف بآخر.

ومع إدارة الرئيس ترامب، فإن الأمر مرتبط بحسابات كبرى واستراتيجيات مهمة تبدأ بالملف السوري، وتمر بالملف الفلسطيني المهدد لأمن الشرق الأوسط، ويتعلق الأمر أيضاً بالتعامل مع الحالة الإيرانية، إضافة لمراجعة السلوك الإسرائيلي في الشرق الأوسط، الذي يعتمد على مقاربة توظيف القوة المفرطة في التعامل وحسم الصراع بصورة ولو لبعض الوقت اعتماداً وكسباً لمصالح سياسية واستراتيجية، كما جرى في جنوب لبنان وسوريا.

الثابت أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تترك فراغات في المنطقة لأي طرف، سواء في سوريا، حيث من المتوقع أن تتزايد القوات الأميركية في المنطقة، وفي إطار سيناريو جديد يعلن عن نفسه، وفي إطار توزيع الأعباء واحتمالات حدوث متغيرات جذرية في التعامل الأميركي مع الداخل السوري المعقد، كما أن الولايات المتحدة ما تزال تُمسك بأوراق التهدئة في قطاع غزة بالفعل، وستعمل على إنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار كخطوة رئيسية قبل الانطلاق إلى إعادة الترتيبات الأمنية في القطاع، والتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وفي ظل احتلال مستمر وقائم للقطاع، مع رفض التعامل مع السلطة الفلسطينية في ظل واقعها الراهن والضغط في اتجاه إعادة تأهيل السلطة بدعم عربي، وهو ما قد يسمح بمزيد من الانخراط العربي في العلاقات مع إدارة الرئيس ترامب. ستظل الإدارة الأميركية الجديدة، وشخص الرئيس ترامب في حاجة إلى حسم في التعامل مع إيران، ليس وفق النهج الأوروبي الراهن، وإنما وفق معادلة حقيقية عملية، الأمر الذي قد يكون للشريك العربي دور في القبول أو الرفض لما يجري، خاصة مع الانكسارات الإيرانية في الملفين السوري واللبناني، ما يؤكد أن مساحات التعامل ستظل قائمة ومتاحة، وأن اسرائيل التي تحظي بدعم أميركي كبير ولافت.

ومن ثم، فإن التحرك المتوقع للرئيس ترامب تجاه حل القضايا الراهنة أو الانتقاء من بينها كأولويات متعلقة بحجم التفوذ والحضور الأميركي في الشرق الأوسط سيكون وفق استراتيجية حقيقية ومدروسة، والعمل على مساحات من التلاقي الرئيس، خاصة أن أغلب القضايا المتعلقة بليبيا واليمن وسوريا وغزة وأمن الإقليم وجنوب البحر الأحمر، وغيرها من الملفات تشتبك الولايات المتحدة في الكثير من تطوراتها.

ومن ثم، فإن الحديث عن دور أميركي أمر طبيعي بالفعل، ولكن سيبقى للولايات المتحدة العمل وفق مصالحها الكبرى، والمتعلقة بالوجود العسكري الكبير وحجم الشراكة، والتي لا يمكن للولايات المتحدة إلا أن تتعامل معه في ظل ما تملكه الدول العربية واقعياً من خيارات لمناكفة السياسة الأميركية في حال تعارض مصالح بعض الدول العربية وهو ما تفهمه الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة أن التحولات الجارية في النظام الدولي ستسمح لدول أخرى ، ومنها روسيا والصين بالفعل للعب دور رئيس فيما سيجري، وفي ظل الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للعلاقات العربية مع الشريك الأميركي.

وبصرف النظر عن علاقات واشنطن بتل أبيب، وإنْ كانت الممارسات الإسرائيلية، وخاصة العسكرية قد تؤدي لمزيد من عدم الاستقرار في الإقليم، فإن الولايات المتحدة ستتعامل في عهد الرئيس ترامب برؤية أكثر واقعية وتأكيداً على استراتيجية تنمية العلاقات مع إسرائيل من دون إثارة، مزيد من الصراعات بل تطويقها وعدم إقحام الإدارة الأميركية في نزاعات جديدة، مع التأكيد على الدفاع عن أمن إسرائيل، وبل وشراكتها في أي مخاطر أو تحديات واردة، وهو ما يؤكد أن الرئيس ترامب سيكون أمامه خيارات متعددة للتعامل والانطلاق من دائرة لأخرى في إطار الحرص على تحقيق مكاسب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل ودعم شراكته مع العالم العربي، وعدم إعطاء الفرصة لأي طرف في الدخول في المعادلة العربية الأميركية.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.