تحل علينا الذكرى الثالثة لهجوم ميليشيات «الحوثي» الإرهابية على دولة الإمارات العربية المتحدة في 17 يناير 2022، ذلك اليوم الذي اعتقد فيه أعداء الاستقرار والنمو أنهم قادرون على النيل من نموذج دولة استثنائية في المنطقة.
لكن الإمارات، بمكانتها الراسخة كقوة اقتصادية وتنموية، لم تكن مجرد دولة عادية، بل فكرة متكاملة قائمة على التلاحم الوطني والرؤية المستقبلية. هذا الهجوم، الذي كان يهدف إلى زعزعة استقرار الإمارات والنيل من مكتسباتها، تحول إلى دليل إضافي على صلابة الدولة وقوة شعبها وقيادتها. لم يكن الهجوم مجرد محاولة لاستهداف مواقع محددة، بل كان استهدافاً لفكرة الإمارات كدولة تنموية مستقرة ومزدهرة.
الهجمات التي شملت صواريخ وطائرات مسيرة تجاه منشآت مدنية، لم تنجح في تحقيق أهدافها بفضل الجاهزية العالية للقوات المسلحة الإماراتية، والدفاعات الجوية التي أظهرت احترافية مشهودة. وعلى الرغم من الأضرار المحدودة، فإن الأثر الحقيقي كان في إظهار الإمارات لقوتها المتماسكة، حيث بقي الوطن شامخاً، محمياً بعزيمة قيادته وتلاحم شعبه. لقد أظهرت اللحظة حجم التلاحم الوطني الذي يُميز دولة الإمارات. ففي مواجهة الخطر، أثبت الشعب الإماراتي أنه جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني، يتفاعل بوعي وولاء قلّ نظيره.
هذا التلاحم لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج عقود من بناء الهوية الوطنية وتعزيز قيم الولاء والانتماء. شعب الإمارات أثبت للعالم أن قوة الدول ليست فقط في جيوشها، بل في تماسك شعوبها ووقوفهم صفاً واحداً خلف قيادتهم. على الصعيد العسكري، أظهر الهجوم فلسفة الإمارات في بناء قوات مسلحة متطورة ومجهزة بأحدث التقنيات. الجيش الإماراتي لم يكن مجرد أداة دفاع، بل كان نموذجاً لقوة استراتيجية تدافع عن مكتسبات الوطن وتؤمن استمرارية استقراره. الإمارات، من خلال استثمارها في بناء جيش محترف وقوي، أرسلت رسالة واضحة: أن أمنها ليس قابلاً للمساومة، وأنها مستعدة دائماً للتصدي لأي تهديد مهما كانت طبيعته.
أما الاقتصاد الإماراتي، فقد أظهر صلابة استثنائية. رغم محاولة الميليشيات الإرهابية المساس بثقة العالم بالإمارات، فإن الاقتصاد الوطني ظل متماسكاً، واستمرت الاستثمارات الأجنبية بالتدفق، مما يعكس الثقة العالمية في سياسات الإمارات واستقرارها. هذه القوة الاقتصادية لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة رؤية استراتيجية لتنويع الاقتصاد، وتعزيز البنية التحتية، والاستثمار في الابتكار. الإمارات أثبتت للعالم أن النجاح الاقتصادي ليس مجرد أرقام، بل هو انعكاس لمنظومة متكاملة تجمع بين التخطيط السليم والاستقرار السياسي.
إن ذكرى 17 يناير ليست مجرد حدث تاريخي، بل لحظة فارقة في سرد الإمارات الوطني. إنه يوم يُظهر كيف استطاعت دولة فتية أن تتحول إلى نموذج ملهم للعالم. يجب أن يتم تضمين هذا التاريخ في ذاكرة الأجيال القادمة، ليس فقط كتاريخ لهجوم إرهابي، بل كدليل على أن الإمارات قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.
فلسفة الإمارات في مواجهة الإرهاب لا تقتصر على القوة العسكرية أو الاستعداد الأمني، بل تشمل بناء منظومة وطنية متماسكة قادرة على مواجهة الأزمات بشجاعة وحكمة. هذه الفلسفة هي ما يجعل الإمارات متميزة، حيث إنها تجمع بين القوة والمرونة، وبين الاستعداد العسكري والوعي الشعبي.
17 يناير يمثل درساً فلسفياً للعالم: أن الدول القوية ليست تلك التي تمتلك الجيوش فقط، بل تلك التي تمتلك رؤية وطنية واضحة، وتستثمر في بناء الإنسان، وتؤمن بأهمية التلاحم بين القيادة والشعب. الإمارات، التي واجهت هذا الهجوم الإرهابي بشجاعة وعزيمة، تستمر اليوم في بناء مستقبلها بثقة وإصرار. في الذكرى الثالثة لهذا الهجوم، يبقى الإماراتيون فخورين بوطنهم، وقيادتهم، وإنجازاتهم. الإمارات ليست مجرد دولة نجحت في التصدي للإرهاب، بل هي نموذج عالمي يثبت أن التحديات هي محطات لصقل الإرادة وتعزيز النجاح. الشرق الأوسط والعالم يمكن أن يتعلما من تجربة الإمارات أن الأزمات، مهما كانت قاسية، يمكن أن تكون بداية لفصول جديدة من التقدم والازدهار. الإمارات، التي واجهت الإرهاب بكل ثقة، تواصل اليوم مسيرتها نحو مستقبل أكثر إشراقاً، مرتكزة على فلسفة تجمع بين الحكمة والقوة، وبين الاستقرار والتطلع إلى الأفضل.
*لواء ركن طيار متقاعد.