قبل فترة طويلة من الحرائق التي اجتاحت لوس أنجلوس ودمرت ما لا يقل عن 12 ألف منزل حتى الآن، واجهت المدينة أسوأ أزمة مشردين في البلاد. فعلى مدى العقد الماضي، ارتفعت أسعار العقارات في كاليفورنيا بشكل كبير. ومع ارتفاع الأسعار، استثمر العديد من سكان لوس أنجلوس المنتمين إلى الطبقة المتوسطة مدخراتهم في منازلهم.
غير أن الحرائق الحالية غيّرت كل شيء، إذ واجهت المدينة واحدة من أسوأ الأزمات المرتبطة بالطقس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. والتداعيات السياسية من المتوقع أن تكون قاسية مثل الحرائق التي قد تكون لا تزال مستعرة، عندما يصبح دونالد ترامب الرئيسَ السابع والأربعين للولايات المتحدة يوم الاثنين 20 يناير. وسيكون من مهام هذا الأخير إظهار القيادة في وقت تشهد فيه البلاد كارثة وطنية. والجدير بالذكر هنا أن اقتصاد كاليفورنيا يمثّل 14 في المئة من الاقتصاد الأميركي، ويحتل المرتبة الخامسة عالمياً قبل المملكة المتحدة والهند. وبالتالي، فإن ما يحدث في كاليفورنيا له تأثير عالمي.
المهمة الفورية تتمثل في الحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات والتي ستكون صعبة طالما استمرت «الرياح الشيطانية» القادمة من المناطق الصحراوية إلى الشرق من لوس أنجلوس في الهبوب في جميع الاتجاهات، والتي تصل سرعتها أحياناً إلى 160 كيلومتراً. أما المرحلة التالية، فستكون جهوداً هائلة لنقل وإزالة خطر بقايا المباني المدمرة، والتي باتت سامة الآن، بسبب تسرب مياه الصرف الصحي والكميات الهائلة من المواد الكيماوية التي استخدمت في إخماد النيران. وعلى سبيل المقارنة، فإن مدينة نيويورك استغرقت 10 أشهر من أجل إزالة الأنقاض الناجمة عن الهجمات الإرهابية على البرجين التوأمين في 11 سبتمبر 2001.
وبينما تتواصل عملية التنظيف، ستحتاج آلاف العائلات إلى إيجاد مساكن مؤقتة، بينما تنتظر لمعرفة نوع التعويضات، التي يمكن أن تحصل عليها من شركات التأمين وبرامج الإغاثة الحكومية والفيدرالية. ولا شك أن هذه العملية ستكون مؤلمة وستخلق للجميع تحديات سياسية لا نهاية لها. وعلى سبيل المثال، فإن أحد الدروس المستخلصة من هذه المحنة هو أن أي مبانٍ يعاد بناؤها ينبغي أن تعتمد تقنيات وتكنولوجيا جديدة تستخدم مواد أكثر مرونة ومقاومة، مواد من المحتمل أن تكون أكثر تكلفة من تلك المستخدمة في العديد من المباني القديمة. وبالتالي، فإن العديد من الملاك من المحتمل ألا يكونوا قادرين على تحمّل تكاليف إعادة بناء منازلهم وقد يضطرون إلى مغادرة الأحياء التي عاشوا فيها طوال حياتهم.
التحديات طويلة المدى التي ستؤثّر على كل بلدان الكوكب، ستشمل مستقبل التأمين على المنازل بالنسبة لأولئك الذين يختارون الاستمرار في العيش في المناطق المعرضة بشكل خاص للظواهر الجوية القاسية، التي من الواضح أنها تعزى إلى الاحتباس الحراري. ذلك أن أسعار التأمين ما فتئت ترتفع بشكل مطرد، وفي بعض الولايات، أصبحت أقساط التأمين باهظة جداً، أو لم يعد التأمين متاحاً فيها بشكل متزايد نظراً لإفلاس الشركات بسبب دفعها تعويضات للعملاء. كل هذا بات يحدث بوتيرة متزايدة في الولايات الأكثر عرضة للأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، وتشمل كاليفورنيا وفلوريدا وتكساس.
والواقع أن معظم ضحايا حرائق لوس أنجلوس ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وإذا لم يستطيعوا الحصول على تأمين يلائم قدرتهم المادية من أجل إعادة بناء منازلهم، فإنهم لن يكونوا قادرين على استيفاء شروط الحصول على قرض عقاري، لأن البنوك لن تجازف بمنح قروض لا يغطّيها التأمين.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» في واشنطن