كم هو جميل أن نلتقي في دبي، دانة الدنيا، أو «فردوس الإمارات» كما يسميها بعض الناس، مع أطياف الصحافة العالمية والإقليمية والمحلية كافة، في احتفالية غالية على صحفيي الإمارات، مع بقية زملائهم الذين جاؤوا من دول العالم كافة، لإحياء أمجاد «صاحبة الجلالة» على أرض دولة الإمارات التي تحتضن في أعماقها أسمى معاني التسامح والتعايش بين مكوناتها الإنسانية كافة.
بالأمس القريب، أكملت جمعية الصحفيين الإماراتية يوبيلها الفضي، وعقبال اليوبيل الذهبي، وكان اللقاء جميلاً ومميزاً مع أساطين الصحافة من جميع أنحاء العالم.
في تاريخ الصحافة، وتاريخ مجال العمل الصحفي، لم تكن منطقتنا أبداً على الهامش. ويعود تاريخ الصحافة في هذه المنطقة إلى عام 1927 حين صدرت أول صحيفة من قلب الخليج، وكانت بعنوان «عمان»، وذلك يوم كنا نعيش في نطاق «الإمارات المتصالحة» والمتعايشة مع نفسها بسلام وطمأنينة وأمان، كما هي عادتها على مر التاريخ.
و في «دار الحي» تعد مجلة «أخبار دبي» من المعالم البارزة في تاريخ الصحافة بإمارة دبي، فهي أول مجلة تصدر عن الإمارة قبل 60 عاماً، حيث ظهرت الطبعة الأولى منها في عام 1965، لتواصل مسيرتها التنويرية التي امتدت على مدار 15 عاماً، كانت خلالها منبراً حراً ينقل أحدث الأخبار المحلية والإقليمية والدولية، ويعكس وجه دبي الحضاري والاقتصادي والاجتماعي. وقد تم تتويج مسير «أخبار دبي» بولادة جريدة «البيان»
في عام 1980، حيث أصدرت حكومة الإمارة مرسوماً بوقف إصدار المجلة، واستبدالها بالجريدة اليومية.
ومن واقع متابعة كلمات الوفود المشاركة لنا في احتفالية جمعية الصحفيين الإماراتية بيوبيلها الفضي، يتضح أن من أول ما لفت انتباههم هو الشعار الذي وُضع للاحتفالية، ألا وهو «الحرية والمسؤولية»، وهما الميزان الحساس لاستمرارية الصحافة في أداء أدوارها البنّاءة، والذي تتحقق استقامته بشرطين رئيسين: المصداقية والاحترافية. وبغير هذين الشرطين تتحوّل الصحافة إلى آلة للاحتراب بدلاً من الاحتراف، وهو ما نلمحه اليوم في بعض وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة بأي معيار قيمي، أو أخلاقي، أو مهني.
أما النقطة الأخرى، وهي في غاية الأهمية، فتتعلق بواقع الأزمات التي تشهدها مختلف بقاع العالم في وقتنا الراهن، وخاصة غزة غزة ولبنان وغيرهما، والتي حصدت حياة قرابة 200 صحفي ميداني ممن تحملوا مسؤولية نقل الأحداث أولاً بأول، مضحين بأرواحهم كي ينقلوا الحقيقة، وكي تظل الصحافة على قيد الحياة. ويكفي هنا أن نذكر بأنه منذ اندلاع الحرب في غزة وحتى اليوم قُتل بنيران إسرائيلية أكثر من خمسين صحفياً، وذلك فضلاً عن الجرحى والمصابين بإعاقات مستدامة. لذا فإنه تقع على عاتق الاتحاد الدولي للصحافة مسؤولية كبيرة في سبيل حماية الصحفيين من الاستهداف ومن القتل العشوائي، خاصة تلك النوعية الخاصة منهم التي تغطي البقع الساخنة في أكثر من منطقة، فهؤلاء عملة نادرة ليس من السهولة بمكان إيجاد مَن يقوم بالدور الإنساني والمهني الذي يطلعون به بعيداً عن أي غرض سياسي.
لقد مثلت الاحتفالية تجمعاً عالمياً في بوتقة صهر محلية، إذ أتاحت للمشاركين أو المدعوين الاستفادة المباشرة من اكتشاف المواهب الفردية التي تعد إضافة نوعية إلى العمل الإبداعي في مجال الصحافة الحديثة، وهي تتحول عبر الإعلام الرقمي إلى منصات إلكترونية متكاملة تختزل الحواجز الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية، متيحةً سهولة الوصول إلى المحتوى العالمي بجدارة فائقة وبلا جُدر ولا فواصل.
والأجمل، بعد مرور كل هذه السنوات، أن احتفالية اليوبيل الفضي كانت فرصة ذهبية لالتقاء الزملاء الذين تباعدت بينهم المسافات، وانقطعت الصلات لأسباب موضوعية، إلا أن عودة المياه إلى رحم الصحافة التي تربط الجميع، كانت عودة أقوى وأوثق.
*كاتب إماراتي