أعلن أمس عن التوصل لاتفاق هدنة في غزة، وكان الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد وجّه تحذيراً واضحاً: إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين المحتجزين لدى «حماس» في غزة بحلول الوقت الذي يتولى فيه منصبه، فسيكون هناك «جحيم لا مثيل له». لكنه لم يوضح ما الذي يعنيه هذا التهديد بالضبط. فقد دمرت الحرب المستمرة منذ أكثر من 15 شهراً القطاع الفلسطيني الذي تسيطر عليه «حماس»، مما أدى إلى تدمير الكثير من بنيته التحتية المدنية وإفقار سكانه البالغ عددهم مليوني نسمة.

يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن هناك حوالي 100 رهينة ما زالوا في قبضة «حماس» داخل شبكة الأنفاق والمخابئ التي تسيطر عليها، والذين تم أسرهم عندما شنت «حماس» هجومها في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل. وتقول إسرائيل، إن حوالي ثلثهم قد يكونون قد ماتوا، لكن جثثهم لا تزال محتجزة لدى «حماس» كوسيلة ضغط تفاوضية. وعلى الرغم من - أو ربما بسبب - الخسائر الفادحة التي تكبدتها الجماعة المسلحة، بما في ذلك القضاء على صفوف قيادتها، فإن «حماس» تصر على موقفها: فقد امتنعت عن تقديم معلومات دقيقة عن حالة الرهائن المتبقين كجزء من موقفها التفاوضي. وقد تكثفت هذه المفاوضات في الأيام التي تسبق تنصيب ترامب.

وقبل الإعلان عن التوصل لاتفاق هدنة في غزة، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام جيه بيرنز لشبكة إن بي آر: «أعتقد أن المفاوضات الجارية الآن جادة للغاية وتقدم احتمالاً، على الأقل، لإتمام الأمر خلال الأسابيع المقبلة... وقد عملت هذه الإدارة بجدية شديدة في هذا الأمر حتى 20 يناير. وأعتقد أن التنسيق مع الإدارة الجديدة في هذا الشأن كان جيداً. وقد أوضح الرئيس المنتخب ترامب اهتمامه بمحاولة التوصل إلى صفقة قبل تنصيبه».

وقبل الإعلان أمس عن التوصل لاتفاق الهدنة في غزة ، كان ثمة تساؤل مؤداه: ماذا لو لم يتم التوصل إلى اتفاق كبير؟ إن إعلان ترامب الأسبوع الماضي أن «الجحيم سينفجر» في الشرق الأوسط يثير تساؤلات حول الأدوات الفعلية التي يمتلكها. وكما كتب «مايكل كوبلو»، من منتدى السياسات الإسرائيلية مؤخراً، فإن الذي خاض حملته الانتخابية على أساس سحب الجنود الأميركيين من الشرق الأوسط من غير المرجح أن ينشر المزيد من القوات الأميركية في مناطق الحرب هناك، ولن تحقق حملة القصف الأميركية نتائج مختلفة عن تلك التي حققتها بالفعل أشهر من القصف الإسرائيلي.

معاناة الفلسطينيين العاديين في غزة لا يمكن إنكارها. فالأحداث التي تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا تبدو وكأنها تحدث أسبوعياً وسط القصف الإسرائيلي. وبينما يسخر المسؤولون الإسرائيليون ومؤيدوهم من أعداد القتلى التي تحصيها السلطات الصحية المحلية في غزة، وجدت دراسة إحصائية منشورة في المجلة الطبية البريطانية «لانسيت» أن عدد القتلى في القطاع خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب ربما كان أقل من العدد الحقيقي بأكثر من الثلث.

ولا يزال عدد كبير من الجثث تحت أنقاض الأحياء المدمرة في غزة. ووفقاً لتقديرات الباحثين، فإن عدد الوفيات بسبب الإصابات خلال تلك الفترة بلغ 64260 حالة، وهو ما يزيد بنحو 41% على العدد الرسمي الذي أعلنته السلطات الصحية المحلية. وكان ما يقرب من 60% من القتلى من النساء والأطفال والأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً. ولم يقدم الباحثون تقديراً لعدد المقاتلين الفلسطينيين بين القتلى. وعندما لا يواجه الفلسطينيون القصف الإسرائيلي، فإن عدداً متزايداً منهم، وخاصة الأطفال الرضع، يموتون بسبب الشتاء القارس. القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية ونقص المأوى المناسب لآلاف العائلات التي شُرّدت مرات عدة بسبب القتال أدت إلى وفاة الرضع في الخيام، بينما كان آباؤهم عاجزين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

* كاتب متخصص في الشؤون الخارجية