منذ انطلاقها في عام 2008، أصبحت «القمة العالمية لطاقة المستقبل»، التي تُعقد سنوياً في أبوظبي، نقطة تجمع رئيسة لصانعي السياسات والخبراء والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم في قطاع الطاقة المتجددة. وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة التي تؤدي دوراً محورياً في مجال الانتقال الطاقي، حيث تُسهم في تعزيز استراتيجياته على مستوى العالم، وهو ما يتمثل في أهدافها الطموحة لمضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
وفي هذا السياق يأتي انعقاد الدورة الحالية من «القمة العالمية لطاقة المستقبل»، التي انطلقت أمس وتُختتم غداً، وسط تحديات عالمية متسارعة تواجه جهود الانتقال الطاقي، لتوفر منصة مفتوحة للمشاركة والتعاون بين مختلف الأطراف المعنية بمستقبل الطاقة، مثل الحكومات، والشركات الكبرى، والمستثمرين، والمنظمات غير الحكومية. كما تسعى القمة إلى فتح قنوات للتعاون الدولي وتبادل المعرفة.
وقد أدركت دولة الإمارات الحاجة إلى طاقة نظيفة لحماية الكوكب، وهو ما تبلور في اتفاق الإمارات التاريخي بمؤتمر الأطراف «COP28» الذي استضافته الإمارات، حيث وحَّد الجهود العالمية لإيجاد حلول فعالة وعملية وطموحة للتحديات المناخية، وشهد للمرة الأولى إقرار هدف عالمي لمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات بحلول نهاية هذا العقد. وبهدف متابعة التقدم المحرز في تحقيق مستهدفات الاتفاق، أطلقت الإمارات تعاوناً ثلاثيّاً (ترويكا) بين رئاسات مؤتمرات الأطراف «COP28»، و«COP29» الذي أقيم في أذربيجان، و«COP30» الذي سيُقام في البرازيل، وذلك للتنسيق بينها والبناء على نتائج ومخرجات «COP28»، وتكثيف جهود العمل المناخي للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
ومما يؤكد الدور الحيوي لدولة الإمارات في ترسيخ الجهود العالمية للانتقال الطاقي، ومكافحة التغير المناخي، أنها كانت أول دولة في العالم تقدم مساهمتها الوطنية المحددة الثالثة بموجب اتفاق باريس، والتي تضمنت أهدافاً طموحة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 47% بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019، والتي تأتي في إطار مستهدفات الدولة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
أما على صعيد دعم المشاريع العالمية، فقد خصصت دولة الإمارات، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، عام 2013، ميزانية بقيمة 350 مليون دولار أميركي لدعم مشاريع الطاقة المتجددة في الدول النامية. ومنذ عام 2013 إلى عام 2020، وعلى مدار سبع دورات تمويلية، أسفر هذا التعاون عن تنفيذ 26 مشروعاً نوعياً في مجالات الطاقة المتجددة، شملت مناطق متنوعة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، مما عاد بفوائد كبيرة على الدول الجزرية الصغيرة النامية. وأسفرت هذه المشاريع عن توفير طاقة نظيفة لأكثر من 4 ملايين شخص، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة، وعززت الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وتمتلك دولة الإمارات ثلاثاً من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، مع المزيد من المشاريع الجارية والمخططة، ومن أبرزها «مشروع نور أبوظبي» للطاقة الشمسية، الذي يُعتبر أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية على مستوى العالم، وهو يهدف إلى إنتاج طاقة شمسية بقدرة 1.17 جيجاوات، ما يجعله مصدراً رئيساً للطاقة النظيفة في الإمارات، ومن خلال هذا المشروع، تسعى الإمارات إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار مليون طن سنوياً، ما يسهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف المناخية العالمية.
ويُعد القطاع الخاص أحد الأطراف الفاعلة في تعزيز استخدام الطاقة المتجددة في الإمارات، حيث تسهم الشركات الوطنية بشكل كبير في تنفيذ العديد من المشاريع الطموحة، ومنذ حوالي العقدين، أنشأت دولة الإمارات شركة «مصدر»، الشركة الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، والتي أدَّت دوراً رئيسياً في تعزيز الطاقة النظيفة والاستدامة في دولة الإمارات والعالم.
كما تعد الإمارات أول دولة عربية تستخدم الطاقة النووية سلمياً، حيث توفر محطة براكة للطاقة النووية 25% من كهرباء الدولة من مصدر خالٍ من الكربون، كما يشكل الهيدروجين منخفض الكربون جزءاً رئيسياً من استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة. وتهدف الإمارات إلى أن تصبح رائدة عالمية في هذا المجال بحلول عام 2031، وهي تنتج 1.4 مليون طن متري سنوياً، لتزيد الكمية إلى 15 مليون طن بحلول عام 2050.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية