تتجدد مصادر الطاقة النظيفة المتوفرة بكثرة في كل مكان حولنا من خلال الشمس والرياح والمياه وحرارة الأرض، بفضل الطبيعة وما توفره من غازات أو ملوثات قليلة إن لم تكن منعدمة. وبذلك يمكن للعالم التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتاحة وفي المتناول، ومستدامة وموثوقة في الوقت ذاته. وبفضل انخفاض تكلفتها، تعد الطاقة المتجددة أكثر جاذبية في كل مكان، بما في ذلك في البلدان منخفضةُ ومتوسطةُ الدخل، حيث سيكون معظم الطلب الإضافي على الكهرباء المتجددة. كما أن انخفاض الأسعار يتيح فرصة حقيقية لتوفير الكثير من إمدادات الطاقة الجديدة على مدى السنوات القادمة من مصادر منخفضة الكربون.
وتتمتع الدول العربية بإمكانيات وموارد كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تعد من أهم أنواع مصادر الطاقة المتجددة. وتشهد المنطقة تنفيذ عدد متزايد من المشاريع في هذا المجال. وفي الوقت الحالي تعتمد معظم دول المنطقة على الغاز الطبيعي والنفط لتوليد الكهرباء، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاعتماد حتى عام 2030.
وكشفت بعض الدراسات جدوى أنظمة الطاقة المتجددة في دول منطقة الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا بعد عقد من الآن، وشملت هذه الدراسات ثلاثة قطاعات مهمة، هي الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي وتحلية المياه. ويرى بعض الباحثين أنه يمكن الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بشكل أفضل من خلال إنشاء البنية التحتية المناسبة للربط بين شبكات الكهرباء في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما يمكن لتحلية مياه البحر بالتناضح العكسي، والتي تعمل بالطاقة المتجددة، أن تكون حلاً مناسباً للتغلب على تحديات المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتكلفة معقولة تبلغ 1.7 دولار/ متر مكعب.
وهناك توقعات بأن تشهد الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادةً بمقدار 3 أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك). ومن المتوقع أن تستحوذ كلٌّ مِن الإمارات والسعودية وعُمان والمغرب ومصر على نسبة 72% من إجمالي النمو في مجال الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الخمس القادمة، وأن تشكّل حصة الطاقة الشمسية الكهروضوئية نسبةَ 75% من زيادة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة. وتعد مصر والإمارات والمغرب والأردن والسعودية، أكثر خمس دول عربية إنتاجاً للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في منطقة الشرق الأوسط، بحسب تقرير لمنظمة «جلوبال انيرجي مونيتور». وتصدّرت الإمارات ومصر والأردن وقطر والمغرب وعُمان قائمةَ أكثر الدول العربية توليداً للكهرباء من الطاقة الشمسية في عام 2022.
ويأتي مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية الذي بدأ تشغيله عامَ 2013 في المركز الرابع بين أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، كما تحتلُّ محطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية، التي بدأ العمل فيها عام 2019، المركزَ السابع بين أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، وفق الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وثمةَ نِسب متفاوتة من حيث استخدامات مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية على مستوى العالم في سنة 2021، حيث تستحوذ الطاقة الكهرومائية على أكثر من نصف الطاقة الكهربائية المولَّدة من المصادر المتجددة للطاقة، بينما تساهم طاقة الرياح بنحو 23 في المائة، أما الطاقة الشمسية فتساهم بنحو 13 في المائة من إجمالي استخدامات الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية حول العالم. وتأتي الصين في صدارة الدول الأعلى إنتاجاً للطاقة المتجددة، حيث أنتجت في عام 2021 ما يناهز ثلث إنتاج العالم من الطاقة المتجددة، أي ما يعادل إنتاجَ كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والبرازيل مجتمعةً.
يمكن القول، إنه على الرغم مما يشهده الواقع العربي الراهن من تحديات في قطاع الطاقة، فإن المستقبل يحمل العديدَ من الفرص التي تعزز هذا القطاع ليصبح أكثر وفرةً ومرونة في المنطقة العربية، مع الحاجة إلى المزيد من دعم وتعزيز جهود التعاون العربي المشترك في مجال الطاقة بهدف زيادة الاستثمارات المطلوبة لبناء البنية التحتية الأساسية لهذا القطاع، فضلاً عن توفير التمويل المستدام لبرامج الطاقة المستقبلية.
*خبير في الطاقة المتجددة