خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كان هناك انقسام جيوسياسي يفوق ويتجاوز كل الانقسامات الأخرى، ألا وهو: الانقسام بين الشرق والغرب. فقد كانت العلاقات الدولية تنتظم حول قطبين اثنين هما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وفي هذا الصراع، كان كل طرف ترتبط بهذا القطب أو ذاك. 
لكن ذلك التقسيم اختفى مع بداية التسعينيات، ومنذ ذلك الحين والعالم في حالة إعادة تنظيم مستمرة. فالنظام القديم مات، والنظام الجديد لم يولد بعد، وهذا ما يفسِّر الأزمات المتعددة التي تعصف بالعالم حالياً. فالأمم المتحدة لم تصبح اللاعب الرئيسي في الأمن الدولي، كما كان مأمولاً في أوائل التسعينيات، وهي فترة لعب خلالها مجلس الأمن دورَه كحافظ للسلام لأول مرة، خاصة إبان حرب الخليج، وكانت حرباً قانونية وشرعية من أجل معاقبة بلد انتهك القانون الدولي، أي ما قام به العراق حيال الكويت. ومنذ ذلك الحين والمجتمع الدولي يبحث عن نظام عالمي لم تتحدد معالمه بعد. 
ومع بداية هذا العام، هناك 3 انقسامات رئيسية يفترض أن يتوقع أن تستمر في التأثير على البنية الجيوسياسية العالمية.
الانقسام الأول، هو ذاك القائم بين روسيا والعالم الغربي. فبعد انتخاب دونالد ترامب، من المحتمل أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها. ومن المحتمل أن تحتفظ روسيا بالأراضي التي استولت عليها، لكن الغرب لن يستطيع أبداً الاعتراف بهذا الضم الذي تم بالقوة، ومن المتوقع أن تظل العلاقات بين موسكو والغرب في أدنى مستوياتها على الإطلاق، بل في مستوى أسوأ مما كانت عليه إبان الحرب الباردة. غير أنه إذا كانت موسكو معزولة عن الغرب، فإنها ليست معزولة عن بقية العالم.
والانقسام الثاني يوجد بين العالم الغربي وكل الدول الأخرى، أو «الغرب مقابل البقية»، كما يقال. فالدول غير الغربية متنوعة جداً من الناحية الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية. فبعضها في مواجهة مع العالم الغربي، وبعضها الآخر يرغب في الحفاظ على علاقات جيدة معه. وبالمقابل، تتفق كل هذه البلدان على أنه لا ينبغي السماح للغرب بالاستمرار في تحديد قواعد الحياة الدولية بمفرده. وضمن هذا الجنوب العالمي المتنوع جداً، هناك نادي «البريكس»، الذي كان يضم البرازيل وروسيا والهند والصين في البداية، قبل أن يتوسع مع انضمام السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران. 
وأعضاء مجموعة البريكس متباينون أيضاً، لكن مجموعتهم تمثِّل بديلاً لمجموعة السبع، أو نوعاً من الثقل المضاد لها. إذ باتت تُسمع صوتها بشكل متزايد على الساحة الدولية، مؤكدةً على مصالحها الوطنية بصوت عالٍ وواضح، رافضةً أن تكون أسيرةَ تحالف واحد خانق. وهي تستخدم تنوعَ علاقاتها لتأكيد سيادتها بنجاح. 
وإذا لم يدرك الغربيون أنهم فقدوا ليس قوتهم وإنما احتكارهم للقوة، فإنهم سيواجهون انتكاسات خطيرة. ولهذا، عليهم أن يعترفوا بأنهم لم يعودوا أسيادَ الأجندة الدولية الوحيدين، وإلا فإنهم سيسرّعون من تراجعهم النسبي، وذلك لأن دول الجنوب العالمي (المتنوعة جداً) لن توافق بعد الآن على اتباعهم بإذعان، وهي دول باتت لديها الآن الوسائل اللازمة لفرض نفسها وتأكيد قوتها.
أما الانقسام الثالث، فهو ذاك القائم بين الصين والولايات المتحدة. والواقع أن الاختلاف في النظام السياسي ليس هو الذي يقود هذا الانقسام، وإنما حقيقة أن الصين باتت بصدد اللحاق بالولايات المتحدة اقتصادياً. ففي عام 2001، حينما انضمت إلى منظمة التجارة العالمية، كان اقتصاد الصين يمثِّل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. أما اليوم، فإنها باتت تمثّل ما بين 70 في المئة و75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لواشنطن التي اعتادت أن تكون القوة الرائدة في العالم منذ عام 1945. واليوم، باتت بكين تنافس الولايات المتحدة في كل القارات باستثناء أوروبا، ذلك أنها نشطة جداً في الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا وأميركا اللاتينية. 
الطابع الوجودي للتنافس الصيني الأميركي هو نقطة الاتفاق الجيوسياسية الوحيدة بين الرئيس الأميركي الحالي (الديمقراطي) جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخَب (الجمهوري) دونالد ترامب. والأكيد أن الكيفية التي ستتطور بها هذه العلاقة في المستقبل ستكون أساسية لتحديد مستقبل العلاقات الدولية. وتاريخياً، حينما تكون هناك قوة صاعدة تتحدى قوة مهيمنة، فإن النتيجة عادة ما تكون هي الحرب. ولحسن الحظ، فالردع النووي يخفف من احتمالات اندلاع مثل هذه الحرب، غير أنه إذا لم تأخذ الولايات المتحدة تصورات دول الجنوب العالمي ومصالحها بعين الاعتبار، فإن الصين ستواصل تقدمها.
وتلك باختصار أهم ثلاثة انقسامات يتوقع أن تؤطّر العلاقات الدولية في عام 2025 وما بعده.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس