مع بداية عام 2025، تقف البشرية على أعتاب فصل جديد مليء بالتحديات والآمال. ولعل استذكار أبرز محطات عام 2024 يساعدنا في استشراف المستقبل ورسم ملامح عام جديد نتمنى أن يكون أكثر استقراراً ورخاءً.
لقد شهد العام المنصرم (2024) سلسلة من الأزمات التي تركت بصماتها على الساحة الدولية، حيث تصاعدت حدة النزاعات المسلحة في مناطق متعددة، ومن ذلك ما شهده العالم من اشتداد للصراع في أوكرانيا، وزيادة للتوترات في شرق آسيا، بالإضافة إلى استمرار الأزمات المزمنة في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما استمرت تأثيرات التغير المناخي في فرض تحديات جسيمة على كثير من البلدان والمناطق، بما في ذلك الفيضانات المدمرة التي اجتاحت دولاً مثل باكستان والبرازيل، إلى جانب موجات جفاف خانقة طالت مناطق واسعة من القارة الأفريقية ومن أراضي الولايات المتحدة الأميركية، مما تسبب في خسائر مادية وأزمات غذائية طاحنة.
وعلى صعيد الاقتصاد، فقد واجهت الأسواق العالمية تقلباتٍ حادةً، وذلك نتيجةً للتوترات الجيوسياسية والضغوط التضخمية التي تفاقمت مع ارتفاع أسعار الطاقة وانقطاع العديد من سلاسل التوريد. لم تقتصر هذه الأزمات الاقتصادية على الدول النامية فقط، بل طالت الاقتصادات الصناعية الكبرى التي واجهت تحديات في تحقيق التوازن بين النمو والتضخم.
ووسط هذه التحديات، برزت إشارات أمل تبعث على التفاؤل، إذ شهد العالم تقدماً ملحوظاً في مجال التكنولوجيا الصحية، حيث تسارعت الابتكارات في مجالات الأدوية والعلاج الجيني، مما أعطى الأمل لملايين المرضى حول العالم. كما أحرزت الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي تقدماً ملموساً من خلال التزامات أكثر صرامة بخفض الانبعاثات الكربونية، وطرح مبادرات جديدة لتعزيز دور الطاقة النظيفة، علاوة على ما ظهر من مبادرات دبلوماسية جادة لتقريب وجهات النظر حول النزاعات الإقليمية، خصوصاً في نزاع الشرق الأوسط.
إن الشرق الأوسط، الذي لطالما كان بؤرة للأزمات، يحتاج في العام الجديد إلى تبني نهج شامل يركز على خفض مستويات الخطر على الإنسان. وتحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة جذور الأزمات، من خلال تعزيز التنمية المستدامة، وتشجيع الحوار بين الثقافات، وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وذلك على ضوء المبدأ الذي مفاده أن إنهاء النزاعات المسلحة وضمان استقرار المجتمعات المحلية يجب أن يكون من أهم الأولويات بالنسبة للمجتمع الدولي.
وفي هذا السياق، يبرز مفهوم الاقتصاد التكاملي العالمي كأحد الجسور المهمة لتقريب الشعوب وتعزيز التفاهم الإنساني، فالعلاقات الاقتصادية المبنية على المنفعة المتبادلة تساهم في خلق أرضيات مشتركة تقلل من احتمالات الصراع، ومن خلال تكامل الأسواق وتبادل المعرفة والاستثمار في التكنولوجيا، يمكن للدول أن تبني شبكات من الاعتماد المتبادل التي تعزز الاستقرار والسلام.
وبينما ندخل العالم الجديد (2025)، فإن الرهان الحقيقي يكمن في قدرة البشرية على تحويل التحديات إلى فرص، والتزامها بخلق عالم أكثر توازناً وإنصافاً، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية، ومشاركة إيجابية من جميع الأطراف الفاعلة، بدءاً من الحكومات وانتهاءً بالمجتمعات المدنية.
وفي النهاية، يبقى الأمل هو المحرك الأساسي الذي يدفع الإنسانية نحو مستقبل أفضل، ومع كل أزمة تظهر فرصة، ومع كل تحدٍ يولد إبداع.
عام 2025 قد يكون عام البداية التي ننتظرها لنرى عالماً أكثر اتحاداً وأقل خطراً على الإنسان.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا