شهد العالم، خلال السنوات الأخيرة، تحولات جذريَّة في كيفية استخدام التكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة، وكان الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة، في طليعة هذه التحولات، إذ تعتمد الدول على هذه التقنيات في تعزيز قدرات البشر، وتحقيق تقدم في مختلف القطاعات الحيوية. وفي هذا السياق، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة قوةً رياديةً عالميةً في مجال الذكاء الاصطناعي، مستفيدةً من استراتيجيات مبتكَرة، وشراكات دولية واسعة، فعلى الصعيد الدولي تتنافس الدول، مثل الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وألمانيا، في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ تسعى الصين، على سبيل المثال، إلى أن تصبح القوة العالمية الأولى في هذا المجال بحلول عام 2030، بينما تستفيد الولايات المتحدة من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل «جوجل» و«مايكروسوفت» لقيادة هذا السباق العالمي.
أمَّا دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أطلقت من جانبها «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031»، التي تهدف إلى جعلها مركزاً عالمياً لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتطبيقه. وعملت الدولة على دعم هذه الاستراتيجية عبر تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وتشكيل مجالس وطنية، وطرح مبادرات، وإنشاء مؤسسات بارزة تعكس التزامَ دولة الإمارات تعزيز الابتكار، وتطوير الكفاءات المحلية والدولية.
وفي معرض الحديث عن محاور استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، نجد أنها تتمثل في ثمانية أهداف رئيسية، تشمل ترسيخ ريادة الدولة في هذا المجال، وزيادة التنافسية في القطاعات ذات الأولوية، وتطوير بيئة خصبة للابتكار، وتحسين جودة الخدمات الحكومية باستخدام الذكاء الاصطناعي، واستقطاب المواهب المستقبلية، وتعزيز القدرات البحثية العالمية، وتوفير بنية تحتية متقدمة للبيانات، وضمان الحوكمة الفعَّالة.
كما تسعى الإمارات إلى تحقيق الريادة في عالم الذكاء الاصطناعي من خلال استثمار نقاط قوتها، المتمثلة في الحكومة الذكية، والبنية التحتية المتطورة، إضافةً إلى التركيز على مشاركة البيانات، وتنمية جيل جديد من المواهب الإقليمية.
وعند الحديث عمَّا تقوم به الدولة من أجل الوصول إلى أهدافها، وتحقيقها، واستدامتها، فلا بدَّ من التطرق إلى الأذرع التي تعينها على هذا، وهنا نذكر «جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي» التي تُعدُّ أول جامعة متخصصة بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وتهدف إلى إعداد جيل جديد من الباحثين والخبراء بهذا المجال من خلال برامج دراسات عليا متقدِّمة.
كما يمكننا الحديث عن شركة «أيه آي 71» التي تمثل منصة تحتضن الشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوفر بيئة مثالية لدعم الابتكار وريادة الأعمال، وكذلك شركة «كور 42» التي تركز على تطوير حلول ذكاء اصطناعي متقدِّمة تخدم قطاعات متعددة مثل الصحة، والتعليم، والطاقة.
ومن جانبه، يُعَدُّ «معهد الابتكار التكنولوجي» مركزاً بحثياً رائداً يُعنى بتطوير حلول مبتكَرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وينضمُّ إلى ما تقدم «برنامج المدراء التنفيذيين للذكاء الاصطناعي» بحكومة دولة الإمارات، وهو مبادرة ترمي إلى تأهيل القيادات الحكومية، كي تتمكَّن من فهم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقه، بغيةَ تعزيز الأداء الحكومي، وتحقيق التحول الرقمي.
وعلى صعيد التأثير اقتصادياً واجتماعياً، فمن المتوقَّع أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بما نسبته 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030، مع إيجاد فرص عمل جديدة، وتعزيز الإنتاجية في القطاعات الحيوية، كما تسعى الدولة إلى تحسين جودة الحياة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقليل الحوادث المرورية، وتحسين الرعاية الصحية والتعليم.
وبناءً على ما سبق، نجد أن دولة الإمارات تقدِّم نموذجاً فريداً لتكامل القدرات البشرية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة، فعلى سبيل المثال تُستَخدَم البيانات الضخمة لتحليل التحديات والفرص، ولاتخاذ قرارات على مستويات مختلفة، ومجالات متعددة، بكفاءة وفاعلية كبيرتين، بينما يبقى العنصر البشري محور الإبداع والابتكار.
ختاماً، فإنه بفضل الرؤية الثاقبة لحكومة دولة الإمارات، وقيادتها الرشيدة، واستثماراتها الاستباقية والفاعلة في المبادرات والبنى التحتية الممكنة، ومؤسساتها الرائدة، وبرامجها الحكومية الطموحة، تُواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها وجهةً عالميةً للابتكار التكنولوجي والريادة في صناعة المستقبل، وتجعل هذه الجهود من دولة الإمارات نموذجاً يُحتذى به للدول الساعية إلى الاستفادة من الثورة الرقمية في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
*خبير في حوكمة الذكاء الاصطناعي