لا شك في أن أحد الأشياء الأكثر سخافة التي حدثت في أسهم شركات التكنولوجيا في 2024 هو الانخفاض المفاجئ في أسهم شركة «إنفيديا كورب» بعيد لحظات من صدور تقرير أرباحها المالية للربع الثاني في أغسطس الماضي. وكان الرئيس التنفيذي للشركة جينسن هوانغ، الذي حقق إنجازاً إيجابياً جداً هذا العام، أشار إلى انخفاض طفيف - تم التغلب عليه- في إنتاج شريحتها الجديدة، غير أن المستثمرين أصيبوا بالذعر في كل الأحوال.
هؤلاء المستثمرون سرعان ما تخلصوا من حالة الذعر تلك، واتضح أن العالم مستمر في الدوران، ولكن ما تُظهره هذه القصة هو القلق العميق الذي يكمن تحت سطح التفاؤل الرقيق بخصوص الذكاء الاصطناعي. ذلك أن السوق حساسة جداً تجاه أي إشارات على بلوغ الذروة، ورد فعلها سيتميز بالمبالغة كلما اعتقدت أنه تم بلوغها. وهذا لا يبشّر بالخير بالنسبة لـ2025، وهو العام الذي سيكون فيه اتخاذ القرارات العقلانية أمراً حاسماً، إذ من المرجح أن تتباطأ وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي.
واللافت هنا أنه على مدى الأسابيع القليلة الماضية، كان قادة شركات الذكاء الاصطناعي ينتقون كلماتهم بعناية بالغة. فهذا الرئيس التنفيذي لشركة «جوجل» سوندار بيتشاي، قال خلال فعالية نظمتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً، إنه يشعر بأن «ثمرة» الذكاء الاصطناعي «المتدلية» قد قُطفت الآن. وحين استفاض في توضيح فكرته، قال لموقع «سيمافور» الإخباري: «بينما ننتقل إلى المستوى التالي، هناك حاجة لتحقيق المزيد من الاختراقات المهمة».
ومن جانبه، تحدّث سام ألتمان، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، عن كيف أنه ما زال يشعر بأن شركته ستصل إلى «الذكاء العام الاصطناعي»، ولكن هذا الأخير «سيكون أقل أهمية» مما كان يعتقده بعض المراقبين. وأضاف أن الذكاء الخارق سيكون العامل المغيِّر العظيم، ولكنه ما زال بعيد المنال.
وفي الكواليس، يشير عدد من التقارير إلى أن شركة «أوبن إيه آي» تجد صعوبة في تحقيق القفزات الكبيرة في القدرات التي كانت متوقعة. كما أن عامل «الإبهار» في «تشات جي بي تي» بات آخذاً في الانحسار.
وفي الأثناء، لم تنشر «آبل» حتى الآن أي دليل على «الدورة الفائقة» في «الآيفون» التي كان البعض يأمل أن يحفزّها طرحُ «آبل إنتليجنس»، بل إن ما حققته الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي حتى الآن يظل محرجاً نوعاً ما بالنظر إلى أن الملخصات التي تنشئها «آبل» باستخدام الذكاء الاصطناعي تتراوح بين الهزلية وغير الدقيقة على نحو خطير. ومع الابتكارات السابقة، كانت الشركة تمنّي نفسها بأن تكون الأفضل إن لم تكن الأولى. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، لم تنجح في أن تكون الأفضل ولا الأولى. 
أول مؤشر لتأثير «آبل إنتليجنس» على أداء الشركة المالي سيأتي من مبيعات الربع الأخير من 2024. فهذه المبيعات من المرجح أن تكون قياسية، كما هو الحال دائماً، غير أن المستهلكين ما زالوا يتخذون قرارات الشراء إلى حد كبير بناءً على جودة الكاميرات والبطاريات التي تدوم طويلاً وليس على الذكاء الاصطناعي. على أنه لا يلوح في الأفق حل مؤكد - ففي يونيو الماضي، قال تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة، إنه لن يدعي «أبداً» أن الذكاء الاصطناعي في «آبل» آمن بنسبة 100 في المئة من الهلوسة.
وهذا يعكس مبعث قلق مهماً في وقت شارفنا فيها على العام الجديد، وهو أن ضخ كميات متزايدة من البيانات في نماذج أكبر لن يؤدي إلى أكثر مما تحقق بخصوص خلق قدرات «ذكية»، وقد نكاد نكون وصلنا إلى هذه المرحلة. ثم إنه حتى لو كان المزيد من البيانات هو الحل، فإن تلك الشركات التي تستقي المواد بشكل عشوائي من أي مصدر يمكنها العثور عليه بدأت تجد صعوبة في الحصول على معلومات جديدة كافية لتغذية الآلة. وفي هذا الصدد، يقول كبيرُ المهندسين إيليا سوتسكيفر، الذي ترك شركة «أوبن إيه آي» ليطلق شركته الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي: «لدينا شبكة إنترنت واحدة فقط». وأولئك الذين يعملون في مجال إنتاج المعلومات الجديدة باتوا يطالبون الآن بالمال.
بعض المعلِّقين يقولون: ما زال هناك عدم يقين بشأن ما سيصبح عليه الذكاء الاصطناعي. هذا في حين هناك وجهة نظر أخرى ترى أن القدرات الحالية تمثِّل بالفعل تغييراً جذرياً حينما يتم استخدامها بشكل معقول. وشخصياً، لا أعرف من هو على حق، مثلما لا تعرفه الشركات التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات في محاولة معرفة الجواب، وتبدو مستعدة لإنفاق المزيد قبل اكتشاف حالات الاستخدام الأكثر ربحية. وفي الأثناء، تتواصل الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن المالي، عبر فرض رسوم أكثر على استخدام الذكاء الاصطناعي أو إدخال الإعلانات، ولكن الناس قد لا ينظرون إلى ذلك بعين الرضا.
لا شيء مما تقدّم يراد له أن يكون حجاً للإقناع ببيع أسهم شركات الذكاء الاصطناعي، بل هي حج للاحتفاظ بها، حتى وإن كان العام المقبل أقل إثارة بكثير من العامين الماضيين. فقد نشر برنت ثيل، المحلل في شركة «جيفريز»، تقريراً حديثاً يقارن فيه مسار إيرادات برمجيات الذكاء الاصطناعي بإقلاع بطيء - وليس بالانطلاق الصاروخي الذي تتمتع به الشركات التي تبيع الرقائق الإلكترونية أو الوصول إلى قوة الحوسبة أو كليهما.
ثيل كتب أن العائدات الأهم لبرمجيات الذكاء الاصطناعي قد لا تأتي حتى عام 2026، وهو ما سيمثِّل خيبة أمل للكثيرين. وإذا كان تذبذب «إنفيديا» في شهر أغسطس مؤشراً، فإن المستثمرين سيصابون بالفزع بسهولة جراء أي إشارة إلى أخبار سيئة. وعليه، فإن التعهد الذي ربما يجدر ب«وول ستريت» أن تقطعه على نفسها بمناسبة العام الجديد هو كبح جماح توقعاتها بشأن الذكاء الاصطناعي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»