فيما يؤكد الريادة العالمية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التكنولوجيات المتقدمة، تم الإعلان مؤخراً عن شراكة استراتيجية بين واحة رأس الخيمة للأصول الرقمية وتحالف البلوك تشين الهندي، وهو أبرز المنظمات الداعمة لهذه التكنولوجيا ونشرها في الهند، بهدف تعزيز الابتكار المشترك في حلول البلوك تشين، ورفع مستويات دمجها ضمن مختلف القطاعات الحيوية، وبما يخدم الدولتين في ريادة المشهد العالمي لهذه التكنولوجيا الواعدة، والتي تعدُّ أحد أسس الثورة الصناعية الرابعة.
والجدير بالذكر أن تكنولوجيا البلوك تشين هي أحد أهم محركات الاقتصاد الرقمي في القرن الحادي والعشرين، حيث تقدِّر شركة الاستشارات العالمية «برايس ووترهاوس كوبرز» أنها ستعزز الناتج الإجمالي العالمي بنحو 1.76 تريليون دولار بحلول عام 2030.
وتأتي هذه الشراكة في وقت تزداد فيه أهمية البلوك تشين كأساس تمكيني في مجال العملات الرقمية، مثل البيتكوين، لكن أهميتها تتجاوز نطاق هذه العملات ليشمل استخدامُها تطوير ما يسمَّى تطبيقات الويب 3 اللامركزية، والتي يتضمن بعضها إنشاء خدمات مالية آمنة ومنيعة ضد الاحتيال والتزوير، أو أنظمة لتتبع التعاملات الرسمية والعقود الذكية التي لا يمكن اختراقها، أو سجلات لتوثيق الشهادات الجامعية، والتأكد من أصالتها، أو تطبيقات لإدارة العمليات اللوجستية في المطارات والموانئ.
والحاصل أنه لم يكن من الغريب عقد هذه الشراكة الاستراتيجية التي تجمع دولة الإمارات مع الهند، فواحة الأصول الرقمية في رأس الخيمة، والتي أُطلقت بداية عام 2023، تعدُّ المنطقة الحرَّة الأولى والوحيدة في العالم، والتي تم تأسيسها من أجل خدمة شركات الأصول الرقمية والافتراضية لتأمين بيئة تنظيمية متقدمة يمكن لحلول البلوك تشين المبتكرة الازدهار فيها، والوصول إلى العالمية، في حين تأسس تحالف البلوك تشين الهندي عام 2018 كمنظمة غير ربحية، ويعدُّ هذا التحالف اللاعب الأهم في سوق الهند في تكنولوجيات الويب 3، ومن بينها البلوك تشين، ويضم تحته أكثر من 115 مليون مستخدم للعملات الرقمية، إضافة إلى منظومة مزدهرة من الحلول الرقمية الأخرى. وستقدِّم الشراكة بين واحة رأس الخيمة للأصول الرقمية وتحالف البلوك تشين الهندي مزيجاً من الخبرات المتقدمة لتطوير حلول البلوك تشين بصورة مشتركة، وتقديم حلول عالمية للتحديات التي ما تزال تواجه تطبيقات هذه التكنولوجيا وتعيق انتشارها بصورة واسعة.
وهي جهود سترسخ نتائجها مكانةَ الإمارات كبيئة رائدة في ابتكارات البلوك تشين، وستعزز فرص الدولة في استقطاب المواهب العالمية، إضافة إلى أنها ستمهِّد الطريق لأكثر من 400 شركة تعمل في واحة رأس الخيمة للأصول الرقمية للدخول إلى السوق الهندية الضخمة والواعدة.
وفي المقابل، فإن تحالف البلوك تشين الهندي سيستفيد كثيراً من المزايا الاستراتيجية التي تتمتع بها دولة الإمارات، كمركز لوجستي عالمي للتكنولوجيات المتقدمة، وأحد أكثر الأسواق تنظيماً في مجال الحلول الرقمية، إضافة إلى امتلاك الإمارات بعض أكثر اللوائح التنظيمية مرونة في العالم فيما يتعلق بالابتكار المتقدم، وما تتمتع به مشروعات التكنولوجيات الناشئة من دعم حكومي كبير.
لقد أدركت دولة الإمارات مبكِّراً القيمة الثمينة لتكنولوجيا البلوك تشين، عندما أطلقت في عام 2021 استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية، والتي وضعت اسم الدولة في قائمة أوائل الدول في تبنِّي استراتيجية وطنية للبلوك تشين، وبما هدف إلى تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً في صناعاتها المستقبلية وإطلاق تطبيقاتها في مختلف التعاملات الحكومية، وكانت هذه الاستراتيجية هي الأساس المتين للنجاحات المتتالية التي حققتها الإمارات في مجال تسخير البلوك تشين ضمن الخدمات الرقمية المتقدمة داخل الدولة، مثل برنامج «حياة» لوزارة الصحة ووقاية المجتمع والذي يُستخدم كوسيلة تحققٍ آمنة في تنظيم عمليات التبرع بالأعضاء، ومنصة «هيئة أبوظبي الرقمية» التي تدعم تبادل البيانات بصورة آمنة وموثوق بها بين الجهات الحكومية في أبوظبي والمؤسسات الخارجية، ومنصة «اتصالات ديجيتال» التي تجمع 8 بنوك رئيسة في الدولة، ضمن شبكة مشتركة، وغيرها الكثير، وهي جميعها تطبيقات متقدمة جعلت دولة الإمارات من أهم البيئات العالمية الحاضنة لتكنولوجيا البلوك تشين المتقدمة، إن لم تكن أهمها على الإطلاق.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.