بتغيّر الأوضاع السياسية في سوريا، بعد سقوط نظام الحكم السابق، يحتفل السوريون في داخل البلاد وخارجها بهذا الحدث الجلل الذي قلب الأوضاع رأساً على عقب. لكن الخوف بأن هذه الاحتفالات ألا تدوم، وألا تنتهي مسارات الأمور إلى النهايات التي يشاءها، ويطمح فيها الشعب السوري بكامل مكوناته وأطيافه وتركيبته السكانية المتنوعة الفسيفسائية، عرقياً وإثنياً ودينياً ومذهبياً، وذلك بعد أن قدم السوريون تضحيات جسام من دمائهم وأموالهم لمدة أربع عشرة عاماً متصلة.

المشهد السوري الحالي لا يبعث كثيراً على التفاؤل، وتبقى المسألة السورية قائمة وحائرة، والتدخلات الأجنبية فيها مستمرة على قدم وساق ومكشوفة أكثر من ذي قبل، ودخلت فيها أطراف جديدة لم تكن ضالعة من قبل. في علم السياسة نحن نعول كثيراً في دراساتنا على الاستشراف المستقبلي واستقراء المستقبل، لكن لكي نستقرئ المستقبل بشكل صحيح علينا أولاً قراءة التاريخ قراءة تحليلية وليست سردية. فالسرد ليس جزءاً من منهجيات العلوم السياسية التي يُعوّل عليها، ثم علينا أن نفهم التاريخ فهماً جيداً. وبعد ذلك نقوم بقراءة الحاضر، وأن نفهمه أيضاً فهماً تحليلياً جيداً.

ومن قراءة التاريخ والحاضر نكون أفكارنا ونستقرئ المستقبل. ومن قراءة تاريخ وحاضر معظم الذين ظهروا في واجهة المشهد السياسي السوري، تكونت لدينا صورة سوداوية قائمة تثير خوفاً ووجلاً مما قد يحدث في سوريا في الآتي من الأيام والشهور والسنوات لو أنهم تولوا كامل زمام الأمور السياسية، ومراكز اتخاذ القرار. ورغم أننا لا نميل إلى الاستعجال في إصدار الأحكام المسبقة، خاصة في القضايا الكبرى، كقضية مستقبل الأوضاع في سوريا، إلا أن الرسالة تُعرف من عنوانها. وعليه، فإن المنظور الخاص بقيام سوريا جيدة مستقرة وموحدة على أنقاض الحطام الذي هي فيه الآن نتيجة للحرب المدمرة التي شارك فيها السوريون جميعاً يجب أن يكون قائماً وحاضراً، ويجري العمل على تنفيذه بعيداً عن استحواذ فئة دون أخرى على كامل السلطة ومقاليد الأمور.

وهذا يتطلب بلورة قيادة سياسية جديدة لما بعد المرحلة الانتقالية الحالية بعيدة عن التطرف الأيديولوجي والفكري وعن الاستقطاب الديني، وفقاً لأية شعارات يحملها أي طرف كان، وتمثل جميع السوريين بأطيافهم الاجتماعية والدينية والعرقية والطائفية والمذهبية والثقافية كافة. لذلك، فإن وجود القوات الأجنبية الحالي يجب أن يقنن وفقاً لشروط وشرعية جديدة، وأن تخرج قوات الأمم التي كان النظام السابق كان قد استعان بها وفقاً لخطوط مذهبية، وأن يصبح بقاء القوات الأجنبية على الأراضي السورية ضمن إطار عملية سلام تقودها الأمم المتحدة بقرار أممي يصدره مجلس الأمن الدولي يتفق عليه الجميع، فمثل هذه الإجراءات ستخلق الظروف المناسبة لاستتباب الأمور واستقرار الأوضاع وصنع سلام دائم يعتد به، وسيساعد السلطة الشرعية الجديدة على تدبير أمورها بشكل أكثر حصافة وموضوعية واقتدار، سواء بالنسبة لتشكيل حكومة تكنو قراط وطنية متعددة المصادر تعكس أطياف الشعب السوري كافة، أو إعادة الإعمار، أو قطع السبل أمام جماعات الإسلام السياسي المتطرفة.

العديد من الأسئلة تطرح نفسها: فماذا عن وجود القوات والميليشيات الأجنبية غير المرغوب فيها؟ وماذا عن وجود قوات لدول عظمى وكبرى وإقليمية دون وجود غطاء شرعي لها؟ وماذا عن علاقات سوريا القادمة بدول العالم العربي؟ لذلك على المديين القصير والمتوسط ستحتاج المسألة السورية إلى معجزة سياسية واقتصادية لإيجاد حلول لها، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار والازدهار للشعب السوري.

*كاتب إماراتي