هذه الرابطة بين البشر تأتي مباشرة عقب صلة الرحم المعلق بعرش الرحمن. الصداقة رابطة تصعد أحياناً إلى مرتبة، «رب أخٍ لم تلده أمك»، ومثاله في سورة الكهف، عندما قتل الخضر الغلام بحجة «أمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فأراد ربك أن يبدلهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً». الصديق مسمّى لشخص معك بكل الظروف، وليس على حسب الظروف، لذا بين حين وآخر أعد ترتيب أصدقائك، ليس حسب حروف الهجاء، وإنما حسب الظروف والوفاء.
عن عبدالله بن عمرو، رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «خيرُ الأصحابِ عند اللهِ خيرُهم لصاحبِه، وخيرُ الجيرانِ عند اللهِ خيرُهم لجارِه»، أخرجه الترمذي وأحمد.
قال الإمام ابن حزم، رحمه اللہ تعالى: «لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته، فهذا فعل الأرذال. ولا تكتمه ما يستضر بجهله، فهذا فعل أهل الشر». الصّداقة لا تغيب مثلما تغيب الشّمس، والصّداقة لا تذوب مثلما يذوب الثلج، والصّداقة لا تموت إلّا إذا مات الحب.
من هو الصّديق الحقيقي؟ وهل يوجد صديق في هذا الزمان؟ الصّديق الحقيقي هو الصّديق الّذي تكون معه كما تكون وحدك، وهو الّذي يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت، ويسدّ مكانك في غيابك. أما حروف كلمة (صديق) ليست مثل كلّ الحروف: (ص: الصّدق، د: الدم الواحد، ي: اليد الواحدة، ق: القلب الواحد).
الصّداقة كالمظلّة كلّما اشتدّ المطر ازدادت الحاجة لها. الصّداقة بحرٌ من بحور الحياة نركب قاربه ونحدر أمواجه وأرض زرعت بالمحبّة، وسقيت بماء المودّة، وحديقة وردها الإخاء، ورحيقها التّعاون، وشجرة جذورها الوفاء، وأغصانها الوداد، وثمارها الاتّصال، وهي ودٌّ وإيمان.
الصديق الحميم نبحث عنه في الدار الآخرة للشفاعة، قال تعالى، «ولا صديق حميم » من الدار الأولى، يقول الحسن البصري رحمه الله: (استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة).
فما قيمة الحياة إنْ عشناها من دون من نحب؟ وما فائدة المال إن لم يقرّبنا إلى من نحب؟! فالحياة إنْ هي إلا تلك اللحظات السعيدة، التي يحياها الإنسان ويتمناها، فإن فقدها فقد معاني الحياة.
وقديماً تم تصنيف الأصدقاء أو الأصحاب إلى هذه الأقسام الخمسة التالية: فصاحب كالهواء لا يستغنى عنه، وصديق كالغذاء لا عيش إلا به، ولكن ربما ساء طعمه، أو صعب هضمه، وصاحب كالدواء مرٌّ كريه، ولكن لا بد منه أحياناً، وصاحب كالصهباء تلذُّ شاربها، ولكنها تودي بصحته وشرفه، وصاحب كالبلاء.
ولأهمية منزلة الصديق ورد ذكره في القرآن في موضعين، واحد موقعه في الدنيا، والثاني ضرورته في الآخرة.
الأول في سورة النور عند تشريع رفع الحرج عن تناول الطعام ما بين الأرحام، وجاء ترتيب الصديق من بعدهم «.. أو ما ملكتم مفاتحه، أو صديقكم.. » الآية 61.
أما الموقف الأصعب، فهو في يوم القيامة، حيث يبحث كل فرد عن منقذ من هول ذلك اليوم.
ومن ضمن هؤلاء الأشخاص المنقذين كما قال تعالى في محكم التنزيل، «فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم » سورة الشعراء/ الآية: 101.
ولمعرفة هذه «الحميمية» نذكر العلاقة بين المأمون وأحد أصدقائه، في يوم كان المأمون يمشي مع صديقه، وهو على يمينه، وكان الظل على الخليفة، والشمس تظل صديقه، وعندما عادا انتقل الصديق إلى شماله لكي يستمر الظل على المأمون، والشمس على صديقه، عندما وصلا إلى داخل القصر، سأله المأمون: لم غيّرت مكانك؟، قال: أخشى عليك من حر الشمس يا أمير المؤمنين.
*كاتب إماراتي