سوريا اليوم بين ماض رسمهُ أكرم الحوراني ومستقبل النموذج المحافظ الليبرالي ذي الطابع البراجماتي.
لعب أكرم الحوراني «1911-1996» المولود في مدينة حماة دوراً كبيراً في عسكرة السياسة في سوريا، ورغم أن عائلتهُ تعتبر من ملاك الأراضي، إلا أن حياتهُ السياسية بدأت بالاشتراكية والعلمانية مناصراً للفلاحيين والفقراء، وكان معظم الفلاحيين الفقراء في مدينتهِ «حماة» من العلويين، وقد حمل تنظيراً سياسياً بأن للجيش القدرة في تحقيق المدنية والعدالة الاشتراكية، لذا كان يحث ويشجع الفقراء على إلحاق أبنائهم بالجيش. فبعد تسببه في انتفاضة فلاحية في مدينة «حماة» وانتخابه نائباً برلمانياً، كوّن علاقات مع المنتسبين بالجيش. وفي المرحلة الأولى من الحياة السياسية بعد الاستقلال السوري وتحت سلطة الكتلة الوطنية السورية، بدأت الانقلابات العسكرية، والتي تتشابه بحضور ودعم شخصية الحوراني، حيث البداية بانقلاب عسكري دكتاتوري، عبر حسني الزعيم، مارس 1949، وكان بسبب انتقاد الجيش في حرب فلسطين 1948، ثم أُعدم حسني الزعيم بعد أشهر بانقلاب سامي الحناوي في أغسطس 1949، وأتى انقلاب أديب الشيشكلي في ديسمبر 1949، واتضحت مكانة الحوراني لدى العسكر في هذا الانقلاب، عبر إصرار حكومة خالد العظم في جعل أكرم الحوراني وزيراً للدفاع بعد تجربته كوزير للزراعة، وكان الهدف هو ضبط نفوذ الحوراني في الجيش السوري.
اتجه الحوراني إلى تأسيس الحزب العربي الاشتراكي 1950 والذي اندمج مع حزب «البعث» تحت «حزب البعث العربي الاشتراكي»، والذي خطف وأسر سوريا عبر حكم عسكري منذ 1963 إلى 8 ديسمبر 2024. حقيقةً، لم يجد أكرم الحوراني الشخصية الجدلية ضالتهُ في الاشتراكية والعدالة عبر كل الانقلابات، وصولاً إلى رفضهِ للوحدة مع مصر بعد تأييدها، فمبادئهِ في الاشتراكية والعلمانية والعدالة ماتت معه في عام 1996، لكن أثرهُ السياسي دفن في 8 ديسمبر 2024.
أمسى النموذج الحوراني ماضياً، فسوريا اليوم أقرب إلى النموذج التركي لأسباب كثيرة، منها دعم أنقرة للثورة.
محددات مستقبل سوريا متعددة، ففي الهويات الاجتماعية هناك أطياف متداخلة ومتقاطعة في حراكها الاجتماعي وواقعها الديموغرافي من الإسلامية «المعتدلة والمتطرفة» والعربية والكردية والدرزية والشيعية واليزيدية والمسيحية والسريانية والآشورية، وفي الأيديولوجيا توجد مسارات ومستويات من العلمانية والمحافظة والقومية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية.
وتوجد تحديات من بينها مسألة شكل الدولة السورية القادم بين النظام الفيدرالي وبين المجالس المحلية واللامركزية المرتبطة بالقومية الكردية ومعضلة توحيد الجيش، والذي سيحتاج إلى حل المليشيات الإسلامية وإيجاد صيغة قانونية وإطار سياسي مع قسد- (قوات سوريا الديمقراطية)، الذراع العسكرية لمجلس سوريا الديمقراطي.
وأخيراً من المحددات المستقبلية القدرة على جمع السوريين على الوحدة والتنمية والأمن وتغليب المصالح الوطنية البراجماتية في علاقتها الدولية، وبوابة هذه العلاقات القضية الكردية والدول العربية، ودول الجوار لسوريا.
*كاتب ومحلل سياسي