فيما يؤكد المكانة المتقدمة التي باتت تتمتع بها دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال علوم الفضاء، تشهد الدولة تنظيم المزيد من اللقاءات التي تثري النقاشات المتخصصة في هذا المجال، وتتيح الفرصة لتبادل الخبرات والتجارب ومواكبة أبرز التطورات والأفكار والمبادرات.
وفي هذا السياق، شهدت أبوظبي أعمال النسخة الثانية من «حوار أبوظبي للفضاء 2024»، بحضور نحو 1000 مشارك من صانعي القرار والسياسات وممثلي صناعة الفضاء والأوساط الأكاديمية والجهات الفضائية الناشئة من القطاعين العام والخاص، لمناقشة التحديات والفرص في هذا القطاع الحيوي، ودفع مجتمع الفضاء الدولي للتحوّل من مرحلة الحوار إلى التطبيق. وقد عقدت هذه النسخة يومي 10 و11 ديسمبر 2024 تحت شعار «من الأرض إلى المدار: منصة للإنجاز والمسؤولية» برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لتركز النقاشات على بحث التحديات الرئيسة التي تواجه قطاع الفضاء. وشارك في أعمالها عدد من قادة وكالات الفضاء العالمية، وصناع القرار والسياسات، مثل المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، والرئيس التنفيذي لشركة «تاليس ألينيا سبيس»، ومكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، وغيرهم العديد من مسؤولي وكالات الفضاء حول العالم.
وأكد سعادة سالم القبيسي، مدير عام وكالة الإمارات للفضاء، في هذه المناسبة، أن حوار أبوظبي للفضاء ضم في نسخته الثانية مواضيع حيوية ورئيسة عدة على الساحة العالمية للفضاء، أبرزها «استدامة الفضاء»، و«أمن الفضاء»، و«سهولة الوصول للفضاء»، داعياً إلى تبني خطط عملية ومخرجات قابلة للتنفيذ من خلال الشركاء والقادة العالميين. كما تضمنت الفعاليات عدداً من ورشات العمل في مواضيع متخصصة، مثل «تحقيق التوازن بين الأمن القومي والممارسات الفضائية المسؤولة»، ومسألة «الحطام الفضائي» التي تُعد من أبرز التحديات في هذا القطاع.
وفي الواقع، فإن النسخة الثانية من «حوار أبوظبي للفضاء 2024» مثلت فرصة فريدة لتبادل الأفكار التي تسهم في تطوير القطاع الفضائي، ودعم استخدام التكنولوجيا الفضائية، التي تدمج بين نظم المعلومات الجغرافية والفضاء، وتطور الحلول المبكرة. وقدم عالم الفيزياء الشهير براين كوكس، عرضاً رئيساً حول الثقوب السوداء وألغازها العلمية، والفرص الاقتصادية والعلمية التي يمكن أن تنبثق من تعميق فهمنا لهذه الظاهرة. وفي جلسة حوارية أخرى تطرق مايك غولد، الرئيس التنفيذي للتطوير في شركة «ريدواير سبيس»، إلى أبحاث الجاذبية الصغرى، والتكنولوجيا الحيوية والصيدلانية، ودورها الثوري في كلا المجالين.
ولا ينفصل عقد «حوار أبوظبي للفضاء 2024» عن التطورات المتلاحقة التي تحققها دولة الإمارات في المجال الفضائي، والتي تدرّجت وفق رؤية استراتيجية شاملة، حيث تأسست شركة الثريا للاتصالات عام 1997، تلاها بعد نحو 10 أعوام تأسيس «مؤسّسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة» التي تم دمجها لاحقاً بـ«مركز محمد بن راشد للفضاء»، وفي عام 2014 دخلت الإماراتُ بشكل رسمي مضمارَ السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، عبر إنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، الذي انطلق في مهمته عام 2020، على أيدي فِرَق إماراتية. وأشرفت وكالة الإمارات للفضاء على المشروع ومولته بالكامل، في حين طوّر «مركز محمد بن راشد للفضاء» المسبارَ، بالتعاون مع شركاء دوليّين، في تعاون وتكامل بين مؤسّسات الدولة المعنيّة بالفضاء.
وقد استطاعت تلك المؤسّسات الرائدة إطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية، مثل الثريا 1 و2 و3، و«الياه سات»، ثم «نايف 1» ليكون أول قمر اصطناعي إماراتي نانوي من تصميم وتصنيع طلاب الهندسة الإماراتيّين، و«خليفة سات» الذي يُعدّ أول قمر اصطناعي تم تطويره بأيدٍ إماراتية 100% لأغراض الرصد. وتواصل دولة الإمارات، بهمة عالية، سعيَها نحو الريادة والسبق في مجالات الفضاء العملية والعلمية المتنوعة، مسجلة منجزات بارزة، ويأتي «حوار أبوظبي للفضاء 2024» ليشكل همزة وصل كبيرة تتيح للأطراف الاستراتيجيين فرصة اللقاء، ومواصلة التعاون والشراكات المثمرة في هذا المجال.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.