مسار الأحداث الذي بدأ بالتغير على الأراضي السورية بشكل سريع يعكس مدى التعقيد والترابط بين الملفات الساخنة في المنطقة. وفي ظل التداخل بين الأطراف المتصارعة من حيث المصالح والأجندات؛ نقف الآن أمام مشهد جديد في سوريا التي أصبحت بيد المعارضة التي كانت قد أعلنت في بيان على شاشة التلفزيون الرسمي يوم الأحد أنها دخلت دمشق، وأسقطت النظام السوري.
أقوى الأطراف التي كانت تدعم النظام السوري، تخلت عنه في الأيام الأخيرة، وبالتحديد روسيا التي أسقطت الورقة السورية من حساباتها، فسحبت قواتها من المراكز على الأرض في ظل الضغوط التي واجهتها كي لا تقدم المزيد من الدعم اللازم للنظام السوري، حليفها الذي أحرجها، ثم إن روسيا منشغلة بقضية أهم وهي أوكرانيا، «لهذا السبب فقدوا كل اهتمامهم بسوريا»، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب، عبر منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشال، لكن لربما هناك ظروفاً أخرى جعلت الروس يتخذون قراراً بالتخلي عن الأسد.
أما إيران، فقد حاولت جاهدة - وتحديداً خلال الأيام الأخيرة - زج المزيد من السلاح والميليشيات في سوريا لإبقاء النظام قائماً، غير أن تلك المحاولات كانت بائسة، ولم تفضِ إلى نتيجة. محاولات تمثلت بالضغط على العراق من جهة، ومن جهة ثانية محاولة استخدام ما تبقى من قوات النخبة في ميليشيا «حزب الله»، غير أن تلك الميليشيات لم تصل إلى دمشق لإنقاذ النظام، لأن جميع الطرق قد قطعت عليها، وفشلت عمليات إمدادها بالعديد والعتاد، خلال الأيام الأخيرة بالتحديد، والأكثر من ذلك أن إيران طالبت جاليتها - التي كان يصل تعداد أفرادها إلى الآلاف في دمشق وحدها - بالمغادرة.
جميعنا يعلم أن يد إيران كانت قد طالت كثيراً في المنطقة، بعد مد ميليشيا الحزب بالسلاح والمال والخبرات، وهو الأمر الذي لم يعد إلا بالخراب على شعبي البلدين الجارين، لبنان وسوريا. إلى جانب ذلك تركيا التي تدخلت بالشأن السوري، وتراقب عن كثب وضع منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية».
ما تخشاه الدول، ونخشاه شخصياً تقسيم سوريا إلى دويلات، وبالتالي استمرار معاناة الشعب السوري على اختلاف تعدديته.
مستقبل سوريا السياسي لم يتضح بعد في ظل التشابكات الداخلية والتجاذبات الخارجية، ومن المهم جداً الاستقرار الأمني الذي يطمئن الجميع بعد أعوام طويلة من الصراع الدائر على الأراضي السورية بعضها بالوكالة، وهو ما قاد سوريا إلى موت بطيء التي حرمت من أي مقومات للحياة في ظل حصار اقتصادي أوصل البلد إلى حالة شلل تام.
على خمس دول تطل سوريا، وهذا ما يعني دقة وحساسية المرحلة القادمة، والتي لا شك أنها صعبة للغاية أمام السوريين الذين نأمل منهم أن يقدموا أفضل ما عندهم كي لا تدخل بلادهم في فوضى، وهو أمر لا تحمد عقباه إن حدث، والانتظار هو سيد الموقف لتبرهن القوى الموجودة على الأرض اليوم على تسيير الأمور إلى حين بناء دولة يمكن أن يثق بها جيران دمشق بالدرجة الأولى، وكذلك الدول العربية الأخرى ودول العالم.
ختاماً، نقولها بوضوح ودون الحاجة إلى لغة دبلوماسية نغلف بها معاني الكلمات، لا سبيل لتجاوز الاضطرابات السياسية العربية، وأزمات المنطقة من سوريا إلى ليبيا، مروراً بالسودان إلا من خلال الحوار والحكمة والعقل والرفض القاطع للتدخلات والأجندات الخارجية. عيننا على مستقبل سوريا، وعلى مستقبل الشعب السوري الذي كان وحده يتحمل المعاناة، ويتكبد الخسائر، ويدفع الثمن غالياً.