في عصر تتزايد فيه المخاطر التي تواجه الطفولة في الفضاءات المفتوحة، بدءاً من تحديات الأفكار المتطرفة وصولاً للاستغلال الجنسي والابتزاز والإساءة عبر الإنترنت، تنوعت جهود دولة الإمارات في دعم الالتزام العالمي تجاه الأطفال لحمايتهم من التهديدات، سواء بتعزيز قدرات الأمن السيبراني على الصعيد العالمي، أو من خلال مساندة التنظيمات والتحالفات الدولية العاملة في حقول رعاية وحماية الطفولة.

وقد تجلت الجهود الإماراتية الرائدة لدعم الطفولة عالمياً في احتضان مدينة أبوظبي الأسبوع الماضي للقمة العالمية لتحالف «نحن نحمي» العالمي، التي شرفها بالحضور والافتتاح الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، والذي أكد سموه في كلمة الافتتاح أن حماية الأطفال ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي مسؤولية جماعية، تحتاج لتضافر الجهود المشتركة من جميع أفراد المجتمع والمؤسسات والحكومات، حيث إن الأطفال هم أساس المستقبل، والاستثمار في أمانهم وسلامتهم هو استثمار في مستقبلٍ أكثر استدامة. ولعله من المهم بداية التأكيد على أن إيمان دولة الإمارات العربية المتحدة بأحقية كل طفل في الرعاية والحماية الرقمية جعلها دائماً في طليعة الدول التي تُسخّر الإمكانات لتعزيز الأمن السيبراني والرقمي محلياً ودولياً.

وليس أدل على ذلك من حلول الدولة في الفئة الأعلى عالمياً (النموذج الرائد) وفقاً للمؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024. وبفضل هذه الريادة السيبرانية، يستطيع الطفل الإماراتي أن يقضي وقتا مفيداً وآمناً في العالم الرقمي، وأصبحت لدولة الإمارات مكانة شديدة التميز، وباتت وجهة للمحافل والقمم الدولية المهمة في مجال الرقمنة الآمنة، ومن بينها التحالف العالمي «نحن نحمي»، الذي استطاع على مدار عشر سنوات أن يحشد جهود أكثر من 100 منظمة حكومية وأكثر من 75 شركة من القطاع الخاص وأكثر من 130 منظمة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية الدولية في عمل جماعي عالمي بهدف إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعامل مع عالم رقمي آمن وخال من التهديدات. وإزاء ثلاثة تحديات تواجه الأطفال في العالم الرقمي، أمكن للمشاركين في قمة تحالف «نحن نحمي» أن يطّلعوا على ثلاثة مقومات للتجربة المتميزة لدولة الإمارات في حماية الطفولة، ما يشكل ثلاثة دروس مستخلصة من تجربة الإمارات في دعم الطفولة عالمياً.

ويتمثل التحدي الأول في تسارع وانتشار مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال في مواقع الإنترنت، وهو التحدي الذي يجد مواجهة حاسمة من الدولة، إما من خلال تعزيز الوعي المبكر للأسر بهذا النوع من المخاطر، وإما بإضفاء الأساليب المؤسسية على عملية إكساب الأطفال الوعي بمراحل التعليم الأساسي، بالإضافة إلى الدور القوي للمؤسسات الثقافية في توفير بيئة حاضنة وتوعوية واستباقية للأطفال تحميهم من المخاطر المحتملة.

أما التحدي الثاني، فيتعلق بالتحديات الإلكترونية الناشئة أمام الأطفال والتي أدخلتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عالم الإنترنت، وقد فطنت دولة الإمارات لذلك التهديد مبكراً وصاغت لنفسها استراتيجية وطنية طموحة تعزز مكانتها وإمكاناتها في عصر يسود فيه الذكاء الاصطناعي، وقد كان الاستخدام الآمن والمسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وخاصةً من جانب النشء، في القلب من اهتمام هذه الاستراتيجية، وهو ما يمثل الدرس الثاني المستخلص من تجربة دولة الإمارات الرائدة في حماية الطفولة.

وأما فيما يخص التحدي الثالث المتعلق بجرائم الابتزاز الجنسي المالي والبث المباشر لانتهاكات الأطفال، فقد فرضت دولة الإمارات، عبر نظامها القانوني، تشريعات تتضمن عقوبات رادعة لاستخدام الأطفال في إعداد مواد إباحية أو تحريضهم أو إغوائهم، ولدى الإمارات أنظمة إلكترونية فائقة التقدم لمنع انتهاكات حقوق الأطفال رقمياً، كل ذلك أسهم في أن أصبحت الدولة واحة آمنة للطفولة.

وما يمكن التأكيد عليه في نهاية المطاف أن احتضان أبوظبي للقمة العالمية لتحالف «نحن نحمي» العالمي، هو ضمانة أساسية لنجاحها في تحقيق أهدافها، ومما لا شك فيه أن المشاركة الدولية الواسعة في أعمالها، تسلط الضوء على الثقة الدولية في قيادة دولة الإمارات لجهود تطوير السياسات والحلول التعاونية لعالم يحمي الأطفال ويفتح أمامهم آفاق المستقبل الواعد والآمن. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.