لا يؤثر تغير المناخ على مدينة واحدة أو بلد واحد، بل هو مشكلة عالمية تحتاج إلى حلول عالمية، وإنْ كان تأثير الاحتباس الحراري يشمل تأثيرات صحية أيضاً. وفي هذا الإطار، تشهد العاصمة الهندية دلهي حالياً مستويات تلوث مقلقة بعد أن تدهورت جودة الهواء كثيراً. إذ سجلت أرجاء مختلفة من المدينة مستويات جديدة من التلوث، رغم اتخاذ السلطات جملة من التدابير الطارئة، من الحظر التام لأعمال البناء إلى إغلاق المدارس، ومحاولة تقليل عدد المركبات على الطرق الهندية.
وقد أصبح هذا الأمر حدثاً يتكرر كل سنة خلال فصل الشتاء. مستويات التلوث تضاعفت خلال العقد الماضي رغم اتخاذ مجموعة من التدابير الصارمة مثل إغلاق محطات توليد الطاقة في المدينة. ويُعد انتشار المركبات الخاصة، وضعف خدمات وسائل النقل العام، وحرق النفايات، والتوسع الحضري العشوائي... عوامل ساهمت في التلوث الذي يبلغ ذروته كل فصل الشتاء حين يحبس الهواء البارد الملوِّثات. ففي كل فصل شتاء، تعلن السلطات حالة طوارئ صحية عامة في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 19.8 مليون نسمة.
والتغير المناخي عامل مساهم في ذلك، إذ تقول هيئة إدارة جودة الهواء، إن الاحتباس الحراري وتغير أنماط الطقس في شهر نوفمبر الجاري كانا مسؤولين عن مستويات التلوث المقلقة. كما لفتت هذه الهيئة، التي تراقب التلوث وتساعد الولايات على تبني التدابير الاحتياطية اللازمة، إلى أن الضباب الكثيف هذا العام زاد من حدة التلوث السنوي.وبالمثل، شهدت دلهي أيضاً ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة هذا الصيف، وهو مؤشر مقلق آخر على التغيرات المناخية المتزايدة. فعلى مدى أكثر من شهرين، ظلت درجات الحرارة في الحزام الشمالي للبلاد فوق عتبة 40 درجة مئوية بشكل منتظم، وهو ما بدأ يثير أسئلة حول ما إن كانت الهند مستعدة للتعامل مع نوبات من موجات الحر المتزايدة؟
ولهذا السبب، فإن ما حدث في «كوب 29» في باكو بأذربيجان مهم للتخطيط للعمل المناخي، بالنسبة للهند كما هو الحال بالنسبة للبلدان الأخرى أيضاً. فقد أصبح التغير حقيقة لا يتجاهلها أو قادر على تجاهلها أي بلد بعد الآن. الأرقام والإحصاءات تبعث على القلق. ذلك أن الدول اتفقت على أن الاحتباس الحراري يجب أن يبقى في حدود 1.5 درجة مئوية المتفق عليها في باريس عام 2015، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون يجب أن تبلغ «صفرا صافي» بحلول عام 2050، وفقاً للأمم المتحدة.
ولكن وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن مستويات غازات الاحتباس الحراري ما زالت ترتفع بسرعة، ودرجة حرارة العالم من «المحتمل» أن ترتفع إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية.
ولهذا السبب، يجتمع قادة العالم كل عام من أجل مناقشة التدابير العالمية التي تُعد أساسية لمنع تفشي تغير المناخ. وفي «كوب 29» هذا العام، ظل تمويل المناخ نقطة خلافية. إذ تحاجج الدول النامية بأن الدول المتقدمة، التي لوّثت العالم من خلال التصنيع، لديها مسؤولية الدفع للدول النامية التي يجب عليها أن توازن بين مسؤولياتها المناخية واحتياجاتها التنموية.
وإذا كانت الدول النامية تدرك مخاطر استمرار التغير المناخي، فإن التنمية ضرورية أيضاً لإخراج الملايين من دائرة الفقر. ولكن يبدو أنه لم يكن هناك اتفاق بشأن حجم التمويل الذي يجب أن تقدّمه الدول المتقدمة للدول النامية.
وفي «كوب 29»، ضغطت الدول المتقدمة في اتجاه قرار باعتماد مبلغ 250 مليار دولار كهدف سنوي لتمويل المناخ يُدفع للبلدان النامية اعتباراً من عام 2035. ولكن هذا التمويل المقترح رفضته الدول النامية، ما أدى إلى إطالة أمد المفاوضات. الأمر الذي خيّب آمال الدول النامية، بما في ذلك الهند التي كانت تسعى إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار سنوياً من قبل الدول المتقدمة تجاه الدول النامية على شكل منح ابتداءً من العام المقبل. بيد أن تغير المناخ له تأثير سلبي على الدول النامية وحدها.
فوفقاً للدراسات المتاحة، فإن تغير المناخ كلّف ما متوسطه 143 مليار دولار سنوياً بين عامي 2000 و2019. كلفة من المتوقع أن تزداد مع تضرر الدول النامية بشكل غير متناسب من الناحية المالية والخارجية، وفقاً لإحدى الدراسات.
ومع تزايد تأثيرات تغير المناخ، من المتوقع أن تزداد هذه الأضرار. علما بأن البلدان النامية متضررة من ذلك بشدة. فلئن كانت الخسائر المالية الإجمالية تميل إلى أن تكون كبيرة في البلدان الغنية، فإن البلدان الفقيرة تشهد نسباً أعلى من خسائر الناتج المحلي الإجمالي، وكثيرا ما تتكبد خسائر أكبر من غيرها من حيث الأرواح التي تُزهق والأضرار المادية. الدول الصغيرة عبّرت عن خيبة أملها من مقترح الـ250 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
ومن جانبها، قالت الدول الجزرية الصغيرة، التي تُعد هشة إزاء تغير المناخ وتواجه خطراً وجودياً من ارتفاع منسوب مياه البحر، إنها «تشعر بخيبة أمل عميقة» من العرض المالي الذي تضمنه المقترح الأخير. وتشمل الدول الصغيرة بلداناً مثل تونغا وساموا وفانواتو وفانواتو في المحيط الهادي، وبربادوس وبرمودا في بحر الكاريبي. ونتيجة لمقاومة الدول النامية، تجاوزت المفاوضات في «كوب 29» الحد الزمني المحدد لها. غير أنه من الواضح أن كل الدول في حاجة إلى أن تكون على اتفاق من أجل التصدي بفعالية لتغير المناخ الذي لا يعترف بأي حدود من صنع الإنسان.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي