غادر دونالد ترامب البيت الأبيض قبل نحو 4 سنوات. وبالنظر إلى ثقته بنفسه، أظنه يقول لنفسه الآن: «ما الذي يمكن أن يكون مختلفاً جداً؟ لقد حصلتُ على هذا».. خلال الشهرين الماضيين فقط، ألحق الجيش الإسرائيلي هزيمة بإيران تكاد تضاهي هزيمة حرب يونيو 1967 لنستعرض ما حدث: «حزب الله» يقبل وقف إطلاق النار مع إسرائيل في لبنان لمدة 60 يوماً تتويجاً للمفاوضات التي أشرف عليها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين.

وهذا حدثٌ جللٌ. فهذا يعني أنه ولو لمدة 60 يوماً فقط، قرر «حزب الله»، وبالتالي إيران، فك الارتباط ب«حماس» في قطاع غزة ووقف إطلاق النار من لبنان للمرة الأولى منذ 8 أكتوبر 2023، أي اليوم الذي تلا هجوم «حماس» على إسرائيل. وسنرى ما إن كان هذا الاتفاق سيصمد، غير في حال صمد، فإن ذلك سيزيد من الضغط على «حماس» من أجل الموافقة على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مع إسرائيل، وفقاً لشروط إسرائيل أكثر. وهناك سبب لذلك. ذلك أن سفينة «حزب الله» الأم تعرضت لضربة حقيقية.

فوفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الضربة الإسرائيلية على إيران في أبريل قضت على واحدة من 4 بطاريات دفاع صاروخي أرض-جو من طراز «إس-300» روسية الصنع المنشورة حول طهران، ثم دمرت إسرائيل البطاريات الثلاث المتبقية في 26 أكتوبر. كما أضرت إسرائيل بقدرات إيران الخاصة بإنتاج الصواريخ الباليستية وبقدرتها على إنتاج الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

وعلاوة على ذلك، ووفقاً لموقع أكسيوس، فإن الضربة الإسرائيلية على إيران في 26 أكتوبر، والتي كانت رداً على هجوم إيراني سابق على إسرائيل، دمرت أيضاً معدات تستخدم في صنع المتفجرات التي تحيط باليورانيوم في قنبلة نووية، مما أدى إلى انتكاسة للجهود الإيرانية في أبحاث الأسلحة النووية. وفي هذا الصدد، أخبرني مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى أن هجوم 26 أكتوبر على إيران «كان قاتلاً ودقيقاً ومفاجئاً». ذلك أنه حتى الآن، «لا يعرف» الإيرانيون «كيف ضربناهم من الناحية التكنولوجية. ولهذا، فإنهم اليوم في أضعف فترة في هذا الجيل: فـ«حماس» لن تدعمهم، و«حزب الله» لن يدعمهم، ودفاعاتهم الجوية لم تعد موجودة، وقدرتهم على الردّ قلِّصت إلى حد كبير، كما أنهم قلقون من ترامب».

وهو ما يعني أن إيران إما باتت ناضجة أكثر من أي وقت مضى لمفاوضات حول الحد من برنامجها النووي، أو ناضجة أكثر من أي وقت مضى لهجوم من قبل إسرائيل أو إدارة ترامب -- أو كليهما -- لتدمير تلك المنشآت النووية. وفي كلتا الحالتين، سيواجه ترامب خيارات لم تكن متاحة له قبل 4 سنوات.

وعليه، فإن ترامب سيتعامل ليس فقط مع إيران جديدة ولكن مع إسرائيل جديدة أيضاً. الاستراتيجية التي فرضها نتنياهو على جيشه في قطاع غزة هي واحدة من أبشع الاستراتيجيات في تاريخ إسرائيل: ادخلوا إلى غزة، ودمروا ما استطعتم من «حماس»، ولا تقلقوا كثيراً بشأن الخسائر في صفوف المدنيين، ثم اتركوا فلول «حماس» يتولون المسؤولية عن القطاع من أجل نهب قوافل الغذاء وترهيب السكان المحليين -- ثم كرروا العملية من جديد. ادخلوا مرة أخرى، ودمروا، ولا تسمحوا لأحد أفضل منهم بتولي المسؤولية عن القطاع، ليظل بذلك غارقاً في الفوضى وأشبه بصومال دائم على حدود إسرائيل. لماذا يفعل ذلك؟ لأن نتنياهو يخضع لتوجيه العنصريين اليهود اليمينيين المتطرفين الذين يحتاجهم للبقاء في السلطة وربما أيضاً للبقاء خارج السجن بتهمة الفساد. والهدف المعلَن لهؤلاء المتطرفين اليهود هو توسيع المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية حتى غزة. فهم يعارضون أي سيناريو تتولى فيه السلطة الفلسطينية المسؤولية تدريجياً عن غزة في إطار قوة حفظ سلام عربية لتحل محل «حماس»، لأنهم يخشون أن تصبح السلطة الفلسطينية بعد ذلك شريكاً شرعياً لحل الدولتين.

والحال أنك حينما تخوض حرباً تسفر عن مثل هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين لمدة عام ولا تقدِّم أي رؤية للسلام مع الطرف الآخر، فإنك تستدعي المحكمة الجنائية الدولية. انتبه أيها الرئيس المنتخَب ترامب: نتنياهو سيقول لك إن إسرائيل تدافع عن العالم الحر في هزم قوى الظلام المتمثلة في «حماس» و«حزب الله».

وهناك بعض الحقيقة في ذلك، غير أن هناك أيضاً حقيقة في أنه إنما يفعل ذلك للدفاع عن رؤية للفصل العنصري اليهودي في الضفة الغربية وغزة. وإذا احتضنته دون أدنى تدقيق أو تمحيص، فإنك ستلطّخ نفسك وأميركا أيضاً. كان الذكاء العام الاصطناعي متعدد المجالات لا يزال في مجال الخيال العلمي إلى حد كبير حينما غادر ترامب الرئاسة قبل 4 سنوات. ولكنه سرعان ما أصبح الآن واقعاً ملموساً خارج دائرة الخيال العلمي. وكذلك سيصبح الذكاءُ الاصطناعي الخارق يوماً ما.

الذكاء العام الاصطناعي يعني أن الآلات ستتمتع بذكاء يضاهي ذكاء أذكى البشر في أي مجال، غير أنه نظراً لقدرتها على دمج التعلم في العديد من المجالات، فإنها ربما ستصبح أفضل من أي طبيب أو محام أو مبرمج كمبيوتر. أما الذكاء الاصطناعي الخارق، فهو دماغ حاسوبي يمكنه أن يتفوق على ما يستطيع أي إنسان فعله في أي مجال، وبفضل قدرته متعددة المجالات، يستطيع تقديم نتائج تتفوق في دقتها وجودتها على أي شيء يمكن للبشر فعله أو حتى تخيله. بل إنه قد يخترع لغته الخاصة التي لا نفهمها. وإذا كانت كيفية تكيفنا مع الذكاء العام الاصطناعي لم تكن جزءاً من الحملة الرئاسية لعام 2024، فإنني أتوقعُ أن يصبح موضوعاً مركزياً في انتخابات 2028.

ومن الآن وحتى ذلك الحين، سيُحكم على كل زعيم في العالم -- وخاصة رئيسي أميركا والصين، القوتين العظميين في الذكاء الاصطناعي -- بناء على مدى تمكينهما لبلديهما من الحصول على الأفضل ودرأ الأسوأ من عاصفة الذكاء الاصطناعي المقبلة. أيها الرئيس المنتخَب ترامب، إذا كنت تعتقد أن عمال المصانع والوظائف اليدوية الذين لا يحملون شهادات جامعية يواجهون تحديات اليوم، فانتظر لترى كيف سيكون عليه الحال بعد 4 سنوات من الآن.

غير أن هذا ليس التحدي الوحيد الذي يواجهه ترامب. ذلك أنه إذا وقعت قوى الذكاء الاصطناعي هذه في الأيدي الخطأ أو استُخدمت من قبل القوى الحالية بطرق خاطئة، فإننا قد نكون إزاء أحداث يمكن أن تؤدي إلى موت الحضارة. أيها الرئيس المنتخَب ترامب، قد تعتقد أن الحكم على ولايتك الرئاسية الثانية سيكون على أساس عدد التعريفات الجمركية التي ستفرضها على الصين، ولكنني أخالفك في الرأي. ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأميركية- الصينية، أعتقدُ أن إرثك  ستحدده مدى سرعة وفعالية وتعاون الولايات المتحدة والصين في التوصل إلى إطار تقني وأخلاقي مشترك مدمج في كل نظام ذكاء اصطناعي يمنعه من أن يصبح مدمراً من تلقاء نفسه --دون توجيه بشري -- أو من أن يكون مفيداً لاعبين أشرار قد يرغبون في استخدامه لأغراض تخريبية. باختصار، أيها الرئيس المنتخَب ترامب، إن التاريخ لن يرحمك إذا اخترت إيلاء الأولوية لسعر لعب الأطفال الأميركيين على حساب اتفاق مع الصين حول سلوك روبوتات الذكاء الاصطناعي.

كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»