لنفترض أننا الآن في أواخر عام 2025، وقد فعل الرئيس دونالد ترامب ما قال إنه سيفعله، إذ فرض رسوماً جمركية عالية على الواردات، أي على السلع القادمة من الخارج، وخصَّ الصين بتعرفات جمركية عالية جداً. وهذه التعرفات الجمركية كان لها التأثير الذي توقعه العديد من الاقتصاديين بالضبط، رغم إصرار ترامب على خلاف ذلك: أي، ارتفاع الأسعار بالنسبة للمشترين الأميركيين.
الآن، لنفترض أن لديك شركة تعتمد على قطع الغيار المستوردة، من الصين أو من المكسيك، أو من بلد آخر.. فماذا ستفعل؟
القانون التجاري الأميركي يمنح السلطة التنفيذية سلطةً تقديريةً واسعةً في وضع التعرفات الجمركية، بما في ذلك القدرة على منح إعفاءات في حالات خاصة. وبالتالي، فإنك ستتقدم على الأرجح بطلب للحصول على أحد هذه الإعفاءات.. فهل سيحظى طلبك بالموافقة؟
مبدئياً، الإجابة يفترض أن تعتمد على ما إن كان الاضطرار لدفع تلك التعرفات الجمركية يتسبب لك في مشقة حقيقية ويهدد الوظائف الأميركية. أما عملياً، فبوسعك أن تخمّن على نحو آمن أن هناك معايير أخرى ستؤدي دوراً في الأمر، ومن ذلك: ما هو المبلغ المالي الذي تبرعت به لـ«الجمهوريين»؟ 
لستُ بصدد القيام بتكهنات بعيدة عن الواقع هنا. فخلال فترة ولايته الأولى، فرض ترامب تعريفات جمركية كبيرة، والعديد من الشركات تقدمت بطلبات للحصول على إعفاءات. فما الشركات التي حصلت عليها؟ الواقع أن تحليلاً إحصائياً نُشر مؤخراً وجد أن الشركات التي تربطها علاقات بالجمهوريين، علاقات تقاس بحجم مساهماتها في الحملة الانتخابية لعام 2016، كانت أوفر حظاً (وتلك التي تربطها علاقات بالديمقراطيين أقل حظاً) في حصول طلباتها على الموافقة. 
غير أن ذلك كان مجرد «بروفة» صغيرة لما يمكن أن نراه مستقبلاً. فرغم أننا لا نملك التفاصيل بعد، فإن مقترحات التعريفات الجمركية التي أشار إليها ترامب خلال حملته الانتخابية أوسع نطاقاً بكثير، وفي حالة الصين، أعلى بكثير من أي شيء رأيناه في المرة الأولى، وبالتالي فإن احتمالية المحاباة السياسية كبيرة.
لقد كانت هناك العديد من الدراسات للتأثير المحتمل للتعريفات الجمركية المقترحة على الاقتصاد، والتي سيكون لها تأثير تضخمي خطير إن كانت بالقدر الذي اقترحه ترامب، غير أنه يمكن القول إن تأثيرها الإداري والسياسي سيكون قصةً أكثير أهمية على المدى الطويل.
لكن، لماذا تخلق التعرفات الجمركية احتمالاً أكبر لظهور المحسوبية من أنواع أخرى من الضرائب؟ الجواب: لأن الطريقة التي تشتغل بها الرسوم الجمركية، وفقاً لقوانيننا، تتيح مجالاً كبيراً لاستخدام السلطة التقديرية في فرضها وتطبيقها. ذلك أن وزير الخزانة لا يستطيع بكل بساطة إعفاء أصدقائه من ضرائب الدخل، غير أن الرئيس يستطيع إعفاء الحلفاء من الرسوم الجمركية. لكن، هل يعتقد أي شخص حقاً أن إدارة ترامب ستقدم على ذلك؟ وهل ستكون الرسوم الجمركية المحركَ الرئيس الوحيد المحتمل لرأسمالية المحسوبية في عهد الإدارة القادمة؟ هذا أمر مشكوك فيه، ذلك أنك إذا فكرت في الأمر، فستجد أن خطط الترحيل ستوفّر أيضاً العديد من الفرص للمحسوبية. ذلك أن بعض مستشاري ترامب، وخاصة ستيفن ميلر، يتصورون على ما يبدو أنهم يستطيعون تطهير أميركا بسرعة من المهاجرين الذين دخلوها بشكل غير قانوني، بحيث يستطيعون توقيف ملايين الأشخاص، ووضعهم في «مراكز احتجاز واسعة»، غير أننا حتى لو وضعنا المسائل القانونية جانباً، فإن هذا الأمر يظل مستحيلاً من الناحية اللوجستية على الأرجح. وبالتالي، فإن ما سنشهده على الأرجح هو سنوات من محاولات عشوائية لإنفاذ القانون تتم فيها مداهمة شركات مختلفة يُشتبه في أنها توظّف مثل هؤلاء المهاجرين.
لكن ما هي المعايير التي ستحدد أي الشركات ستصبح أهدافاً ذات أولوية لمثل هذه المداهمات، وأيها ستُترك وشأنها، فتستفيد من إعفاء فعلي لسنوات؟
إذا كانت رأسمالية المحسوبية قادمة، فماذا ستفعل بأميركا؟ بالطبع ستكون سيئة للديمقراطية، سواء لجهة مساعدتها على تأمين ميزة مالية كبيرة للجمهوريين، أو لجهة ضمان دعم واضح من قبل الشركات لترامب، بغض النظر عن حجم الضرر الذي ستتسبب فيه السياسات العامة المنتهجة. 
وفضلاً على ذلك، فإن النظام الذي يكافئ الشركات على أساس علاقاتها السياسية سيضر بالنمو الاقتصادي بكل تأكيد. والجدير بالذكر هنا أن العديد من المحاولات لتفسير السجل الاقتصادي القاتم لإيطاليا على مدى الجيل الماضي تعزو الأداء الاقتصادي الضعيف جزئياً إلى تفشي المحسوبية. 
كما وجدت إحدى الدراسات الحديثة أن الأنظمة الشعبوية، سواء اليسارية أو اليمينية، وهي أنظمة تتّبع رأسمالية المحسوبية عموماً، تميل إلى تسجيل نقص في النمو على المدى الطويل قدره نقطة مئوية تقريباً كل عام.
وخلاصة القول، إن الوقت كفيل بإثبات ذلك، لكن الأدلة المتوافرة حتى الآن تشير إلى أن القواعد المتعلقة بكيفية النجاح في الأعمال التجارية الأميركية على وشك أن تتغير، لكن ليس بطريقة جيدة.