في عالم يتزايد فيه الاعتماد على الفضاء لتحقيق الطموحات الاستراتيجية والاقتصادية والعلمية، بدأت الدول تدرك على نحو متزايد أن استكشاف الفضاء، واستخدامه، والتقدم التكنولوجي، ليست رموزاً للفخر الوطني فقط، بل هي أدوات قوية وفعالة للتنمية الاقتصادية المستدامة والابتكار، وتعزيز الأمن الاستراتيجي الشامل أيضاً. ومع الدخول إلى عصر تتيح فيه الأقمار الصناعية الاتصالات العالية السرعة، والملاحة الفضائية، ومراقبة الأرض، لمعرفة المصادر الطبيعية، وتعزيز الاستدامة البيئية، فإن الفضاء يوفر آفاقاً علمية، وفرصاً جديدة للدول عامة، والدول العربية خاصة. 
وبالنسبة إلى المنطقة العربية، التي تتسم بالتحديات البيئية والسياسية، يُعد الاستثمار في البرامج الفضائية أمراً محوريّاً، ذلك أن الأنشطة الفضائية تكون عادةً مصدر إلهام للشباب، وتشجعهم على دراسة مسارات متعددة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ما يحفز الابتكار لديهم، ويزودهم بمهارات حيوية لمعالجة التحديات المختلفة، والإسهام في النمو والازدهار العربي الشامل. 
وفي هذا السياق نرى فعلاً علامات واعدة على مستوى الدول العربية، فقد أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة برنامجها الفضائي الطموح الذي يُعد الأكبر في المنطقة العربية من حيث الحجم والتنوع، وعلى سبيل المثال أرسلت الدولة مسبار الأمل إلى المريخ، واكتسبت قدرات متقدمة في مجال مراقبة الأرض والاتصالات الفضائية، ووضعت برنامجاً مستداماً لرواد الفضاء.
وكذلك نرى تقدماً في تأسيس برامج ووكالات فضاء في بعض الدول العربية، فقد أنشأت المملكة العربية السعودية وكالة فضاء، بهدف تطوير قطاع الفضاء، وتعزيز الابتكار والتقدم العلمي، وأرسلت عدداً من روادها إلى محطة الفضاء الدولية، وبالمثل أُنشئت وكالات فضاء في مصر والجزائر والبحرين، وأطلقت دول عربية عدة أقمار صغيرة للفضاء في خطوة أولى، ما يؤكد قناعة الدول العربية قاطبةً بأهمية الاستثمار في مجال البرامج الفضائية.
ونظراً إلى أن الدول عامةً تواجه تحديات كبيرة مرتبطة بتكاليف الفضاء المرتفعة، والمتطلبات التقنية المعقدة، والمخاطر المصاحبة للبرامج الفضائية، فإن التعاون الإقليمي المشترك يوفر حلّاً مناسباً قابلاً للتطبيق، لكونه يتيح الاستفادة من الموارد والخبرات والبنية التحتية المشتركة للدول العربية، ما يقلل التكاليف الفردية، ويقلص المخاطر ذات العلاقة. وهذا النموذج من التعاون ليس جديداً، إذ توجد نماذج ناجحة على مستوى العالم، فمثلاً تجمع وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) نحو 22 دولة أوروبية تحت هدف واحد، ما يسمح لها بمواصلة المنافسة، وتحقيق التقدم الفضائي مع تقاسم الأعباء المالية والتقنية، وكذلك توجد تكتلات فضائية دولية متعددة يجمعها الهدف نفسه تقريباً.
وممَّا يشجع على قيام تعاون عربي فضائي فعَّال مبادرة «المجموعة العربية للتعاون الفضائي»، التي أطلقتها دولة الإمارات في عام 2019 (أصبحت تضم نحو 16 دولة عربية)، وأعلنت فيها تمويل مشروع لبناء قمر صناعي عربي مشترك لمراقبة الأرض، بهدف تحديد مصادر الثروات الطبيعية، إذ يمكن أن تكون هذه المبادرة الطموحة أساساً لتأسيس وكالة فضاء عربية رسمية، تعزز التعاون المشترك، وتدعم الحضور العربي في خريطة الفضاء العالمية.
ولا شك أن إنشاء مثل هذه الوكالة سوف يسهم في بناء مجتمع عربي متقدم علميّاً وتقنيّاً، وقادر على مواجهة تحديات المستقبل، وقد حان الوقت لتوحيد الجهود العربية في مجال الفضاء، وتحويل الطموحات المشتركة واقعاً ملموساً.
*عضوية مجلس إدارة شركة «جال» للخدمات اللوجستية العالمية في مجال الطيران، وعضوية مجلس صندوق دعم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، التابع للهيئة العامة لتنظيم الاتصالات