مع الانتشار السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، تبرز نقطة مثيرة للاهتمام تتعلق بتزايد الطلب كثيراً على الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل هذه الأنظمة في شتى أنحاء العالم؛ نظراً إلى اعتمادها على مراكز بيانات ضخمة تحتاج إلى طاقة كبيرة لتخزين البيانات ومعالجتها بكفاءة، وسرعة عالية.
وتوقَّع معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الذي سلَّم أخيراً رئاسة مؤتمر الأطراف إلى أذربيجان، نموّاً في عدد مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجاته الحسابية الضخمة والسريعة النمو، مرجحاً تضاعف عددها في غضون الأعوام الستة المقبلة؛ ما يتطلب 150 جيجاوات على الأقل من القُدرة المُركّبة للطاقة الكهربائية بحلول عام 2030؛ أي ما يزيد على ضعف استهلاك فرنسا الحالي من الطاقة الكهربائية.
وهنا يبرز السؤال: كيف ستتماشى هذه الحاجة إلى طاقة كهربائية أكبر مع التحدي المتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري، خاصة لو أخذنا في الحسبان أن المصدر الأكبر للانبعاثات الملوثة للبيئة في العالم يأتي من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، التي لا يزال السواد الأعظم منها يعتمد على حرق إما الغاز، وإما الفحم؟
ولا شك في أنه من دون توفير الطاقة الكهربائية الكافية، لن يكون ممكناً اغتنام الفوائد الكبيرة التي تتيحها أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي قال عنها جيفري هينتون، أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء هذا العام، إنها ستشبه بتأثيرها في طريقة حياتنا ومجتمعاتنا ما أحدثته الثورة الصناعية الأولى أواخر القرن الثامن عشر؛ ما يثير مفارقة كبيرة هي أن الاستفادة الكبيرة من الذكاء الاصطناعي رهن بزيادة عدد مراكز البيانات أكثر؛ وهذه المراكز تحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر أيضاً.
ولكنَّ هذه المعضلة تمثل فرصة ثمينة يمكن تحويلها إلى قصة نجاح فريدة تصب في الخانتين معاً: الذكاء الاصطناعي، ومعالجة تحدي التغير المناخي؛ وذلك بِعَدّها محفزاً لزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيا ذات الصلة بها؛ ما يسهم في تمكين الأنظمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مع دعم التحول إلى مصادر طاقة غير مضرة بالبيئة، والوصول إلى الأهداف المرجوة فيما يخص الاحتباس الحراري. أضف إلى هذا أنه مع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي، سيكون ممكناً توظيفها في رفع كفاءة إنتاج الطاقة الكهربائية واستهلاكها.
وعلى الصعيد المحلي، توجَد في دولة الإمارات العربية المتحدة مراكز بيانات بقدرة استيعابية تُقدر بـ235 ميجاوات؛ ما يجعلها الأولى في المنطقة من حيث استيعابها لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مع وجود خطة لزيادة هذه القدرة إلى 580 ميجاوات في الأعوام المقبلة. ويتميَّز هذا التوسع باعتماده على مصادر الطاقة المتجددة، بفضل رؤية القيادة الحكيمة، والاستثمار الباكر في هذا المجال منذ مطلع القرن الجاري.
وفي ظل انتشار الذكاء الاصطناعي، وزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، يُتوقع أن يدعم هذا القطاع الاقتصاد الإماراتي بنحو 96 مليار دولار بحلول عام 2030، مع تقليل الانبعاثات، والحفاظ على البيئة.
*أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا